ما يزال المجتمع الدولي منقسما بين دعاة التدخّل العسكري في منطقة الساحل والقائلين بضرورة العمل على إيجاد حلّ سلمي مخافة انتشار الفوضى، خاصة في ظلّ الحديث المتزايد عن انتشار العتاد العسكري بين أيدي التنظيمات المسلّحة في المنطقة، على اختلافها، مدنية كانت أم إسلامية متطرّفة. ولعل السبب الأكبر لتفاقم القلق الدولي يكمن في قدرة هذه الجماعات المسلّحة على اختراق الحدود الرسمية للدول، حيث تستغل الروابط القبلية والاجتماعية العابرة للحدود الرسمية، فيما يرى المراقبون أن النزاع قد يفضي إلى تغيير في خريطة المنطقة، وبالتالي تغيير الحدود المتعارف عليها. منطقة الساحل على صفيح ساخن بين دعاة تأسيس دولة الساحل والقائلين بإمارة الصحراء الإسلامية يصعب الحديث عن الحدود الجغرافية في منطقة الساحل، على اعتبار أن كبر المساحة تحوّل إلى نقمة على دول المنطقة، بسبب قدرة الجماعات المسلّحة والتنظيمات المتطرّفة على اختراق الحدود الرسمية المتعارف عليها دوليا، إذ يشهد الساحل ما يشبه الرغبة في إعادة ترسيم الحدود من جديد بين الحركة الوطنية لتحرير منطقة الأزواد، الساعية للحصول على اعتراف دولي بدولة التوارف، من جهة وبين الجماعات الإسلامية المتطرّفة التي تهدف لإقامة إمارة إسلامية. ولعل توفّر العتاد العسكري ساهم في احتدام حدّة النزاع، بعدما أصبحت الجماعات تتنافس في استعراض القوة وفرض وجودها، من خلال ما تتوفّر عليه من عتاد عسكري، الأمر الذي وضع منطقة الساحل على صفيح ساخن. ويشير الخبراء إلى أن انهيار نظام العقيد معمر القذافي كان أحد أهم العوامل في تفاقم الوضع بالمنطقة، على اعتبار أن الجماعات المسلّحة المنتمية لقبائل التوارف التي كان يستخدمها العقيد ضمن كتائبه العسكرية اضطرت إلى التراجع والتمركز في شمال مالي، مع الإشارة إلى امتلاكها لعتاد عسكري متطوّر سمح لها بتحقيق انتصار ميداني على جنود الجيش المالي المتمركزين في المنطقة، ليبسطوا سلطتهم على المنطقة ويعلنوا عزمهم تحرير منطقة الأزواد وإعلانها دولة مستقلة. غير أن الجماعات العائدة إلى المالي من ليبيا لم تكن على انسجام فكري وعقائدي، إذ على الرغم من كون حركة تحرير الأزواد حركة مدنية تدعو لإقامة دولة للتوارف، حيث ظهر من بين صفوفها من يعتقد بفكر الجهادية السلفية، ومن ثمّة شرع في العمل لإقامة إمارة إسلامية، فكانت جماعة ''أنصار الدين''، إلا أن الحركة الجديدة لم تكن السبّاقة في الدعوة لإقامة هذه الإمارة الإسلامية، وإنما سبقها فرع تنظيم ''القاعدة''، أو ما أصبح يعرف ب''قاعدة المغرب العربي''، والتي تنشط في المنطقة منذ أواخر 6002 من خلال خطف الرعايا الأجانب. في الجانب الآخر من المنطقة، وبالضبط في ليبيا، ظهرت مجموعات مسلّحة لها هي الأخرى منطقها السلفي الجهادي الرافض لمنطق الدولة المدنية، الذي تسعى السلطات الليبية الجديدة لتكريسه عقب الثورة التي أطاحت بالقذافي، حيث تشير التقارير الرسمية إلى أن عددا من الجماعات المسلّحة في ليبيا يستمر في رفض تسليم السلاح، بل ويصرّ على إقامة الدولة الدينية، والمثير أن هذه الجماعات أصبحت طرفا في تجارة السلاح العابرة للحدود الرسمية، بالنظر لما تملكه من روابط وشبكات تواصل مع عدد من الجماعات المسلّحة في المنطقة، بدءاً من الجماعات في شمال مالي وصولا إلى جماعة ''بوكو حرام'' في النيجر ومجموعة ''الأنصار'' الإسلامية في نيجيريا. ويرى المراقبون أنه على الرغم من الاختلافات الحاصلة بين هذه الجماعات المسلّحة إلا أن قدرتها على تجاوز حدود دول المنطقة أصبحت تهدّد الأمن الإقليمي والدولي، خاصة وأن كل المؤشّرات تؤكّد على تورّط الجماعات مع شبكات التهريب والإجرام الدولي، بغضّ النظر عن كونها جماعات مدنية أم سلفية جهادية، لتبقى المنطقة رهينة دعاة تأسيس دولة الساحل المدنية، وبين الراغبين في إقامة إمارة الصحراء الإسلامية. الجزائر: سامية بلقاضي
الحدود الجنوبية والشرقية.. الجزائر في قلب المواجهة حين يتحالف الإجرام مع الإرهاب صدّت وحدات الجيش المعزّزة بقوات حرس الحدود في الحدود الجنوبية والشرقية 27 محاولة لخرق الحدود الجنوبية والشرقية في عام 2102. وتمّت أغلب هذه المحاولات من قِبل مهرّبين، في حين سجّلت تقارير مصالح الأمن 83 محاولة تسلّل من قِبل إرهابيين تابعين ل''القاعدة'' أو ''التوحيد والجهاد''. وقالت مصادر عليمة إن الإحصاءات المسجّلة على مستوى الناحيتين العسكريتين الرابعة والسادسة تشير إلى أن كل المحاولات تمّ التصدي لها من طرف القوّات المتخصّصة في مراقبة الحدود، التي تمّ تشكيلها في إطار المخطّط الأمني لمراقبة الحدود الذي وضعته هيئة أركان الجيش بالتعاون مع قيادة الدرك الوطني. وأسفرت عمليات التسلّل عن مقتل 45 مسلّحا، واسترجاع كمية كبيرة من الأسلحة وتدمير 09 وسيلة نقل مختلفة، منها سيارات نقل رباعي مجهّزة برشاشات ثقيلة تُستعمل في التصدّي للطائرات العمودية، ونجحت وحدات الجيش، طيلة عام 2102، في إبعاد خطّ الجماعات المسلّحة المتشدّدة التي سيطرت على إقليم أزواد المتاخم للحدود الجنوبية، ومنعت تنقّل مهرّبي السلاح من الحدود الليبية إلى الحدود المالية عبر الصحراء الجزائرية. وقالت مصادرنا إن المراقبة الجوية التي فرضتها وحدات الجيش على الممرات الصحراوية ساهمت، بشكل كبير، في تأمين الصحراء والحدود الجنوبية، بالإضافة إلى الخبرة الكبيرة التي اكتسبها عناصر وضباط الجيش والدرك وحرس الحدود في مجال مراقبة الممرّات الصحراوية، بعد خبرة سنتين تقريبا منذ اندلاع الحرب الليبية. واشترطت الجزائر، حسب مصدر عليم، إدراج مسألة السيطرة على الحدود بين إقليم أزواد والدول المتاخمة له في جدول أعمال أيّ مخطّطات أمنية تستهدف التدخّل في المنطقة عسكريا. وتتخوّف مصالح الأمن الجزائرية من أن ينجرّ عن أيّ تدخّل عسكري غير مدروس فوضى عارمة عبر حدود الإقليم مع الجزائر مالي، النيجر وبوركينافاسو. كما تمتد الحدود بين إقليم أزواد ودولة موريتانيا على مسافة تتعدّى 0061 كلم، ووهي، حسب خبراء في الأمن، حدود مفتوحة تماما أمام إمكانية تسلّل السلاح والجماعات الإرهابية من موريتانيا إلى أزواد، أو العكس، وفي مواجهة هذه الحدود لا تتوفّر جمهورية موريتانيا سوى على أقل من 5 آلاف عنصر جيش ودرك، وهو عدد لا يمكنه أبدا تأمين هذه الحدود التي تبقى دون أيّ مراقبة جوية، باستثناء نشاط الاستطلاع الذي تقوم بها طائرات غربية من حين لآخر. وتعدّ هذه المنطقة، مع الحدود بين أزواد والنيجر، حسب تصنيف أجهزة أمن غربية، إحدى أخطر الحدود في العالم. وكشف مصدر على صلة بالملف بأن مسألة مراقبة الحدود هي أهم النقاط التي تحاول الجزائر علاجها، قبل أيّ تدخّل عسكري في إقليم أزواد قد يفاقم الوضع بالتعاون مع دول الجوار، وقد اشترطت هذا على الدول التي قرّرت التدخّل في الإقليم لطرد الجماعات السلفية المتشدّدة منه. وقالت مصادرنا إن الرقابة على الحدود الدولية في المنطقة تكاد تنعدم بسبب نقص الإمكانات لدى هذه الدول، وعجز الأجهزة الأمنية، في أغلب دول المنطقة، باستثناء الجزائر، عن تغطية حدود صحراوية مترامية الأطراف، وكذا تواطؤ بعض عناصر أجهزة الأمن مع عصابات التهريب. كما تعاني أجهزة الأمن والجيوش في دول الساحل من عدم توفّر التكوين والإمكانات لفرض النظام في حدود صحراوية مترامية الأطراف، بل إن بعض فرق المراقبة المحلية تعمل بأجهزة اتصال يمكن اختراقها بسهولة، وتغيب الرقابة عن مواقع شاسعة من الحدود، خاصة بين مالي والنيجر. وصنّف عارفون بالمنطقة الوضع بالمستقر نسبيا في الحدود الجنوبية للجزائر وليبيا، حيث يتوفّر في الحدود الجنوبية للجزائر ما بين 02 و52 ألف عسكري وعنصر حرس حدود. محمد بن أحمد
أحمد مصطفى، إعلامي موريتاني مختص في الشأن الأمني بمنطقة الساحل ''الحدود في منطقة الساحل مملكة مفتوحة للإرهابيين بسبب هشاشة الدول وضعف التنمية'' تحوّلت المناطق الحدودية في منطقة الساحل إلى بؤرة للتوتّر، بعدما كانت منطقة تبادل تجاري وتلاقٍ ثقافي؟ المناطق الحدودية في منطقة الساحل تحوّلت إلى بؤرة للتوتّر، بسبب تراكمات عديدة أدّت لذلك، بعضها يعود لعقود من الزمن وبعضها حديث. وقد عرفت منطقة أزواد الحدودية مع الجزائر عدّة اهتزازات أمنية خلال السنوات الأخيرة، وتأثّر استقرار المنطقة بعد لجوء قيادات في الحركة السلفية للدعوة والقتال إليها مع بداية القرن الجديد. وإذا وضعنا الموضوع برمّته في سياقه الطبيعي، وما عرفته مناطق أخرى من العالم في الآن ذاته، يمكننا أن نتلمّس الخيوط الأولى لما وصلت إليه المنطقة الآن. وهناك أطراف إقليمية ودولية، وحكومات وقادة وقبائل موجودة في المنطقة كل تتحمّل جزءاً من المسؤولية على الوضع الحالي. والتوتّر الموجود على الحدود بين مالي والجزائر يمكن أن يهدّد أمن المنطقة ويهزّ استقرار دول الساحل والصحراء، خصوصا في حال تمّ تغييبهم عن المشاركة في الحلّ، تفكيرا وتحضيرا وتنفيذا، سواء تمّ اعتماد الحل السلمي، أو قرّر الجميع الدخول في حرب. هل عزّز انتشار السلاح الليبي من حدّة التوتّر على الحدود في منطقة الساحل ، ومن إمكانات المجموعات الإرهابية المسلّحة؟ مع أن التحدّيات الأمنية في المنطقة موجودة منذ بداية القرن الجديد تقريبا، إلا أن تطوّرات الملف ساهمت في تعقيده، وزادت من صعوبة التعامل معه، فقد أدى ''نهب'' الخزان الليبي العامر بالسلاح إلى تدفّق كبير لكل أنواع السلاح على المنطقة، ويمكن القول، دون الخوف من المجازفة، إن السلاح الليبي الداخل إلى أزواد عجّل بهروب الجيش المالي، ومغادرته لقواعد العسكرية بشكل أسرع ممّا كان متصوّرا، بل إن العديد من وحدات الجيش المالي وكتائبه غادرت حتى دون أخذ أسلحتها الثقيلة، وحتى الخفيفة، كما وقع في غاو، وفي قاعدة آمشاش قرب اتساليت. وهو ما أضاف رافدا جديدا للأسلحة، في منطقة تحتاج كل شيء إلا السلاح. وبالتالي فما من شكّ أن السلاح الليبي، سواء ما أخذته الجماعات المسلّحة في المنطقة من ليبيا مباشرة، أو ما وصلها عن طريق شبكات التهريب بعد انتعاش تجارة السلاح في المنطقة، أو ما وصل عن طريق جنود وقادة عسكريين سابقين في الجيش الليبي. فكل ذلك كان له دوره في سرعة حسم المواجهة مع الجيش المالي، والسيطرة على منطقة تزيد على 008 كلم. هل ساهمت الهشاشة السياسية لدول الساحل في سيطرة المجموعات المسلّحة على المناطق الحدودية في الساحل؟ هشاشة عدد من الدول المجاورة للإقليم، ساهمت في ذلك، بالإضافة إلى وجود مناطق شاسعة من أراضي هذه الدول تتحرّك فيها الحركات المسلّحة وشبكات التهريب بكل حرية، وكذا طبيعة التعامل التي اعتمدته مالي مع أزواد والأزواديين خلال العقود الماضية. ورغم حجم المساعدات الدولية التي أُخذت من المجتمع الدولي، باسم تنمية مناطق أزواد أو الشمال المالي، فإن صورة بسيطة عن المدن الرئيسية في الإقليم تُثبت، بشكل قاطع، أن تلك التمويلات سلكت طريقا آخر، ليس الطريق الذي أُرسلت من أجله. وكما ساهمت هشاشة الأوضاع في المنطقة في تزايد المخاطر الأمنية، فإن الفشل التنموي أدى لانتشار التذمّر والشعور بالغبن بين أبناء المنطقة، توارف وعرب، ما دفعهم للبحث عن طريقة لإسماع صوتهم، ولذا حصلت تجارب عديدة في مواجهة الحكومة المالية، وكان يتم احتواؤها في كل مرّة، قبل أن تنضاف عوامل جديدة ساهمت وتساهم في تعقيد الملف، وفي زيادة الأطراف المعنية به. بحكم تجاربك الميدانية في المنطقة، كيف يمكن لدول الساحل تفعيل التنسيق الأمني لمراقبة الحدود دون الحاجة إلى تدخّل أجنبي؟ يجب في البداية القول إن المنطقة تواجه مصاعب أمنية كبيرة، فبالإضافة لانتشار السلاح بكل أنواعه بشكل رهيب، وتعدّد المصادر التي دخل إلى المنطقة منها، شكّل التهديد الدولي المتكرّر بتدخّل عسكري في المنطقة عاملا للعديد من الشباب الجهادي في عدد من الدول، من بينها تونس وموريتانيا والنيجر والسودان والمغرب ومصر، ومالي والسنغال. وبخصوص التنسيق الأمني بين دول المنطقة، أظن أن الأحداث سبقته وتجاوزته كثيرا، بسبب الوتيرة التي كان يسير بها، فبعد أن كان مصدر الخطر في المنطقة حركة واحدة هي ''تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي''، أصبح لزاما على دول المنطقة اليوم التعامل مع حركات تتكاثر بشكل سريع وكبير، ولا يقلّ عددها اليوم عن خمس حركات تقريبا، ويمكن في أيّ لحظة أن تشهد إعلان حركة جديدة في ظلّ انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه، وكثرة الميولات والانتماءات في المنطقة الملتهبة. الجزائر: حاوره عثمان لحياني
الوزير والدبلوماسي الأسبق عبد العزيز رحابي ل''الخبر'' ''لأول مرّة يصبح للقاعدة أرض تحكمها''
قال الوزير والدبلوماسي الأسبق، عبد العزيز رحابي، إن الجزائر تواجه تهديدا حقيقيا من الجماعات المسلّحة، خاصة في مالي، معتبرا أن كل الحدود الجزائرية، سواء مع تونس أو مع ليبيا وحتى مع موريتانيا والمغرب، تعاني من ضغط لم يحدث في تاريخ الجزائر من قبل. ما هي المخاطر الأمنية التي تواجهها الجزائر على حدودها الشرقية والجنوبية، وربما الغربية أيضا؟ الجزائر بلد كبير جدا، ولديها حدود مع سبع دول تمتد على طول سبعة آلاف كيلومتر. والحمد الله ليس لدينا مشكل حدودي قانوني مع دول الجوار، حتى مع المغرب الذي رسّمنا حدودنا معه في اتفاقية أفران في2791 . وهذا عامل مهم جدا. حتى لا يبقى لدينا مشكل حدود من وجهة نظر القانون الدولي العام. ولكن لأول مرة منذ استقلال الجزائر في 2691 تعيش بلادنا ضغطا على كامل حدودها. وليبيا وتونس طلبتا، رسميا، من الجزائر تأمين الحدود المشتركة معهما، لأنه ليس لديهما إمكانيات لتأمين حدودهما مع الجزائر، إما بسبب انهيار الجيش كما هو الحال في ليبيا، أو لأن ذلك ليس من أولوياتهم بالنسبة لتونس، والجزائر مجبرة على قبول هذا الطلب، لأن تونس وليبيا قد تضطران للاستعانة بقوة (دولية) ثالثة. ماذا عن حدودنا الجنوبية، خاصة مع مالي وموريتانيا، التي تشهد عدّة تحرّكات لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد؟ الحدود مع موريتانيا غير مؤمّنة، لأن أولوية الجيش الموريتاني التركيز على الوضع الداخلي وليس على الحدود، لأن الخطر قادم من الداخل وليس من الخارج. أما الحدود مع مالي، والتي تمتد على طول 007 كلم، فكيف تؤمّن الجزائر هذه الحدود ولم تشكّل في يوم من الأيام أيّ مشكل. لكن في ظلّ الوضع الحالي في شمال مالي، فإن الجزائر مضطرّة لتوفير هياكل جديدة وإمكانيات أكبر، لأن مجلس الأمن أعطى الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية، بعد ستة أشهر على الجماعات المسلّحة في شمال مالي. ومن المتوقّع أن يزحف اللاجئون الماليون إلى الشمال نحو الجزائر، وكذلك زحف الأسلحة إلى الجزائر. وهذه الأسلحة جدّ متطوّرة، لأنها قادمة من ليبيا وليس من مالي أو من أي بلد إفريقي فقير لا يمتلك مثل هذه الأسلحة، خاصة الصواريخ المضادة للطوّافات والطائرات. كم يتطلّب تأمين حدودنا من الجماعات المسلّحة في مالي والسلاح المنتشر في ليبيا؟ من الناحية الاقتصادية يرى الخبراء أن تأمين كامل الحدود الجزائرية يتطلّب مليوني جندي، وهذا العدد يستنزف الجزائر. فالجزائر تعيش حرب استنزاف وإن لم تخض الحرب. فالسلاح في الصحراء يحتاج إلى صيانة مكلّفة، بالإضافة إلى توفير المؤونة للجنود المرابطين على الحدود، وهذا يخلق ضغطا على الجيش، لأن بلادنا كبيرة وحدودنا طويلة. وألحّ هنا على ضرورة اليقظة داخل البلد، لأن الجزائر، منذ 2691، لم تكن محاصرة (بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية على حدودنا) مثلما هي عليه اليوم، لذلك يجب أن يكون هناك إجماع وطني على سياسة الدفاع الوطني والأمن القومي، يشارك فيه الجميع من مؤسّسات الدولة إلى الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني والإعلام. ما هو الخطر الذي قد تشكّله التنظيمات المسلّحة في شمال مالي على الجزائر؟ حركة ''الجهاد والتوحيد'' قامت بعمليات حتى داخل التراب الجزائري، في تمنراست جنوبا، وتندوف غربا، وورفلة القلب الاقتصادي للجزائر، واختطفت دبلوماسيين جزائريين (في غاو وسط مالي). ومنذ 1002 أصبح الغرب يعتبر هذه الجماعات المسلّحة، وخاصة القاعدة ''فعاليات جديدة''، فالخطر لم يعد قادما من الدول فقط، لكن قد يأتي من جماعات منظّمة ومسلّحة. ولأول مرة في تاريخ ''القاعدة'' أصبحت تتحكّم في نصف دولة مساحتها تبلغ 002 ألف كيلومتر مربع، أو ما يعادل نصف مساحة فرنسا، وأصبح لديها أرض وجبال، ولم تحقّق ذلك حتى في أفغانستان وباكستان واليمن. أصبحت القاعدة خطرا شاملا يمسّ كل البلدان، وكلما تأخّرنا في مواجهة القاعدة فإنها تتقوّى عسكريا أكثر، وإن كانت ضعيفة دبلوماسيا واجتماعيا، لأن المجتمع المالي يرفضها. الجزائر: حاوره مصطفى دالع