إذا كان وجود الماء وتوافره نعمة عظيمة، فالحصول عليه وقت الحاجة والظمأ نعمة أكبر، وإذا كان نبع الماء من الأرض آية ونبعه من الحجر الأصم معجزة، فما ظنُّك إذا كان نبعه من بين الأصابع البشرية. تلك هي أحد وجوه المعجزات التي أكرم الله بها نبيّه، صلّى الله عليه وسلّم، والتي لم يُؤيّد بمثلها نبي قبله، جاءت لتكون شاهدة على التأييد الإلهيّ لرسوله عليه الصّلاة والسّلام. وكان لهذه المعجزة دورٌ مهمٌ في إنقاذ المؤمنين، مرّاتٍ عديدة، من خطر الهلاك عطشًا في مواسم الجفاف، ومواطن الشحّ من موارد المياه في الصّحاري والقفار، فكانت وقائع المعجزة غوثًا إلهيًّا وقف عليه الصّحابة بأنفسهم، وسجّلوا شهاداتهم على سجلاّت التاريخ. ومن ذلك شهادة الصّحابي الجليل جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، على ما حدث يوم الحديبية، حيث قال: ''عطش النّاس يوم الحديبية والنّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، بين يديه ركوة (إناء من جلد)، فتوضأ، فجهش أي: أسرع النّاس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضّأ ولا نشرب إلاّ ما بين يديك، فوضع يده في الرّكوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشرِبنا وتوضّأنا. ولمّا سُئل جابر، رضي الله عنه، عن عددهم في ذلك اليوم قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا، كنّا خمس عشرة مائة''، متفق عليه.