تتجلّى حكمة التّشريع في رعاية الأيتام من خلال تأمّل هذه الآية الكريمة: {ولْيَخْشَى الذين لو تَركوا من خلفِهم ذُريّة ضِعافًا خافوا عليهم فليَتَّقوا الله وليَقولوا قولاً سديدًا} النساء .9 فجعل كافل اليتيم، اليوم، إنما يعمل لنفسه لو ترك ذرية ضعافًا، فإنّه ستُعامل ذريته الضعاف بما عامل به ذرية غيره، فكما تُحسن إلى اليتيم اليوم، يُحسن إلى أيتامك في الغد. تأمّل التّوجيه النّبوي من سيّد الخلق، صلّى الله عليه وسلّم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سُئل: أيّ العمل أفضل؟ قال: ''تدخل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطعمه خبزًا''، رواه الطبراني. فقد أمر الله بحفظ مال اليتيم، فقال الله سبحانه وتعالى: {إنّ الذين يأكلون أموال اليَتامى ظُلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارَا وسيصلون سعيرًا} النساء .10وقال تعالى: {ولا تَقرَبوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن حتّى يَبلُغ أشُدَّه وأوْفُوا بالعَهد إنّ العَهد كان مسؤولاً} الإسراء.34 وعَدَّ سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أكل مال اليتيم من السّبع المُوبِقات. فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنّ النّبي، صلّى الله عليه وسلّم، قال: ''اجْتَنِبوا السَّبع الموبِقات. قالوا يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: الشِّرك بالله والسِّحر وقتلُ النّفس التي حرَّم الله إلاّ بالحقِّ وأكلُ الرِّبا وأكلُ مال اليتيم والتّولّي يوم الزّحف وقذفُ المُحصنات المؤمنات الغافلات''، رواه البخاري. ولخطورة ذلك الأمر، وجَّه النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، مَن كان ضعيفًا من الصّحابة ألاّ يتولين مال يتيم. فعن أبي ذَرٍّ، رضي الله عنه، أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: ''يا أبا ذرّ إنّي أرَاك ضعيفًا وإنّي أُحبُّ لكَ ما أُحبُّ لنفسي لا تَأمَرَنَّ على اثنين ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم''، رواه مسلم. واستمرارًا لحرص التّشريع الإسلامي على أموال اليتامى، أمر باستثمارها وتنميتها حتّى لا تستنفدها النّفقة عليهم، فقد ورد عن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: ''مَن وَلِيَ يتيمًا له مالٌ فَلْيَتَّجِرْ لهُ ولا يَترُكهُ حتّى تأكُله الصّدقة''، رواه الدارقطني. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''احْفَظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزّكاة''، رواه الدارقطني. كما ورد عن عمر، رضي الله عنه، أنّه قال: ''ابتغوا (تاجروا واطلبوا الرِّبح) بأموال اليتامى، لا تأكلها الصّدقة''. فعلى كلّ مسلم وُليَ مال يتيم، أن يتّق الله فيه ويعمَل على تنميته والمتاجرة به، على رأي كثير من أهل العلم بشرط عدم تعريضها للأخطار، وهذا من الإحسان إليه، ولأنّ كفالة اليتيم عمل من أعمال البِّرّ، فخيرُ بيتٍ في المسلمين بيت فيه يتيم، وفي الحديث: ''مَن عال ثلاثة من الأيتام كان كمَن قام ليله وصام نهاره''. كما أنّ كفالة اليتيم في الإسلام ممّا عليه العمل زمن الصّحابة، رضي الله عنهم، وكلٌّ للتّنافس في عمل الخير كما حصل لأبي بكر الصديق، ورافع بن خديج، ونعيم بن هزال، وقدامة بن مضعون، وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنهم أجمعين. وكلُّ حقٍّ كَفَلَهُ الإسلام للإنسان، فهو حقّ لليتيم كحقّ الحياة، وحقّ النَّسب، وحقّ الرَّضاعة، وحقّ النَّفقة، وحقّ الولاية على النّفس والمال، وذلك بتأديبه وتربيته وتوجيهه وإرشاده، وحفظ ماله حتّى يبلغ ويتبيّن رُشْدَه، ويصبح قادرًا على الاعتماد على نفسه ورعاية شؤونه.