عن عائشة رضي اللّه عنها مرفوعًا: ''إنّ اللهَ يحبُّ إذا عمِل أحدُكم عمَلاً أن يُتْقِنَه''، أخرجه أبو يعلى والطبراني. قال العلامة المنَاوِيّ: رأيتُ في روايةٍ ما يدلُّ على أن المرادَ بالإتقان الإخلاص، ولفظُها ''إنّ اللّه لا يَقْبَل عمل امرئٍ حتّى يُتقِنه. قالوا: يا رسول اللّه وما إتقانه؟ قال: يخلّصه من الرياء والبدعة''. فالإخلاص تنقِيةُ القلب عن الشّوائب كلّها قليلها وكثيرها، حتّى يتجرَّد فيها قصد التقرّب فلا يكون فيه باعثٌ سواه، والشّيطان قد يحاصر العبد ويُحبط له كلّ عمل، ولا يكاد يخلص له عمل واحد، وإذا خلُص عملٌ واحد فقد ينجو به العبد. قيل للإمام سهل التُستري: ''أيُّ شيءٍ أشدّ على النّفس؟ قال: الإخلاص؛ إذ ليس لها فيه نصيب''. والنّفس تحبّ الظهور والمدح والرياسة، وتميل إلى البَطالة والكسل، وزُيِّنَتْ لها الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمَة والأنعام والحرث، فأشدّ شيءٍ على النّفس إخلاصُ النية للّه عزّ وجلّ. فالّذي يغلِب على قلبه حُبّ اللّه عزّ وجلّ وحُبّ الآخرة تكتسب حركاتُه الاعتيادية صفةَ همّه وتصير إخلاصًا، والّذي يغلب على نفسه الدّنيا والعُلُوّ والرياسة فيها، وبالجملة غير اللّه، تكتسب جميعُ حركاته تلك الصّفة، فلا تسلَم له عبادة من صومٍ وصلاة وغير ذلك إلاّ نادِرًا. والغافلون عن الإخلاص يرون حسناتهم يوم القيامة سيّئات، وهم المقصودون بقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ × وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} الزمر:74-84، وبقوله عزّ وجلّ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً × الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} الكهف: 401-501. قال حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي رحمه اللّه، في كتاب إحياء علوم الدّين: ''فقد ظهر، بالأدلّة والعَيان، أنّه لا وصول إلى السّعادة إلاّ بالعلم والعبادة؛ فالعمل بغير إخلاص رياء، وهو للنّفاق كفاء ومع العصيان سواء، والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء، وقد قال اللّه تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} الفرقان:32. فيجل على المسلم أداء الفرائض الّتي افترضها اللّه تعالى على عباده باتّباعٍ وإخلاص، والتقرُّب إلى اللّه تعالى بالنّوافل بعد الفرائض، وتحرّي ما فعله النّبيُّ عليه الصّلاة والسّلام؛ فإنّه صلّى اللّه عليه وسلّم أفضل مَن تطوَّع. والأخذ بالعزائم في مواطنِها؛ فإنّه من تقوى اللّه عزّ وجلّ، والأخذ بالرُّخَص في مواطنها؛ فإنَّه من قبول إحسان المنعِم علينا، وترك المعاصي ما استطعتَ ذلك.