في رحاب القرآن الكريم وقفات جميلة مع الأنبياء الكرام، في طلبهم للطّفل ودعائهم له، ومن هذه الوقفات الحلوة طلب نبيّ اللّه إبراهيم، عليه السّلام، طفلا من ربّه. ففي همسة قرآنية، نستمع إلى مناجاة نبيّ اللّه إبراهيم عليه السّلام: {ربِّ هَبْ لي من الصّالحين فبَشّرناه بغُلام حليم}. فقد طال الأمد بإبراهيم، عليه السّلام، ولمّا يُرزق ولدًا يملأ عليه دنيا البهجة والزينة، إذ البنون من زينة الحياة الدّنيا، ومن نعم اللّه تعالى على عباده. وهذا نبي اللّه، سيّدنا زكريا عليه السّلام، في أوقات الصّفاء يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ يدعوه أن يَهَب له طفلاً وألاّ يَذَرَه فردًا: {وزكرياءُ إذ نادَى ربَّه ربِّ لا تَذَرْنِي فردًا وأنتَ خيرُ الوارثين}، ويستجيب اللّه عزّ وجلّ دعاء زكريا عليه السّلام، وتحمل زوجته بطفل ذكر، مع أنّ زوجته كانت عاقرًا، إلاّ أنّ رحمة اللّه وفضله أوسَع من كلّ شيء، قال تعالى: {يا زكريَاءُ إنّا نُبَشِّرُك بغُلام اسمه يحي لم نَجعَل لهُ من قبلُ سميًّا}. ومن رعاية القرآن الكريم بالطّفل رعاية حقِّه في النَّسب، حتّى لا يضيع ويُصبح هَمَلاً لا قيمة له في المجتمع، وحتّى لا يذهب حقّه من الإرث، فقد أمر بالمحافظة على نسبه، فقال تعالى: {ادْعُوهُم لآبائِهم هو أقسَط عند اللّه فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم}. وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقّاص قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ''مَن ادّعى على غير أبيه، وهو يعلم أنّه غير أبيه، فالجنّة عليه حرام''. ومن ألوان الرعاية القرآنية للطفل حقُّه في الرّضاع، قال تعالى: {والوالداتُ يُرضِعنَ أولادهنّ حوليْن كاملين لمَن أراد أن يُتمّ الرَّضاعة}. فالطفل، في بداية حياته وبُعيد ولادته، لا يمكنه أن يتعدّى الغذاء الّذي يحفظ عليه حياته، ويجعله يأخذ في النّمو، إلاّ عن طريق رضاع لبن الأم أو المرضع. وفي سورة النّور نجد لفظة الطفل في قوله تعالى {أو الطفل الّذين لم يَظهروا على عورات النّساء}، والمقصود بالطفل، هنا، الأطفال الّذين هم دون سن التّمييز، فإنّه يجوز نظرهم للنّساء الأجانب. ووردت لفظة الأطفال في سورة النور في قوله تعالى {وإذا بَلغ الأطفال منكم الحُلم فليستأذنُوا}. ففي هذه الآية إشارة إلى الأطفال، وتعليمهم الأدَب في الاستئذان، والعلم والآداب الشّرعية الّتي تغرس السّعادة في المجتمعات، لأنّ تعليم الأطفال الأدبَ السّامي في الاستئذان دليل على الاهتمام بهم. وإذا ما كان للأطفال هذه المكانة من أبويه، فلا ريب أنّ أفضل ما يورّثه الأبوان لأطفالهم الأدبَ وحُسن الخُلُق والتحلّي بالخصائل الحميدة، وأن يغرسوا فيهم كلّ هذا منذ بداية عمرهم. وقد انتبه حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي رحمه اللّه، إلى هذه الناحية المهمّة من مراحل التربية للطفل، فقال: ''إنّ الصّبي أمانة عند والديه. وقلبُه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كلّ نقش وصورة، وهو قابل لكلّ ما يُنقش فيه''. ويؤكّد العلامة ابن خلدون، رحمه اللّه، بداية هذه التربية وأهمّيتها، فقال: ''إنّ تعليم الوِلدان للقرآن شعار من شعائر الدّين، أخَذَ به أهل المِلّة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم''. وهذا سيّدنا معاوية، رضي اللّه عنه، أرسل إلى الأحنف بن قيس فقال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟! فقال: يا أمير المؤمنين ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة''. * عضو المجلس العلمي بالعاصمة