يُفتَرض في الإنسان المسلم أن تكون شخصيته إيجابية، مقبلة على الحياة، متفاعلة معها، لأنّه مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها، عبادة لله وإعمارًا للأرض واستفادة ممّا فيها من ثروات وخيرات، لا يصل إليها إلاّ بالعمل الجاد. كانت مطالبة الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، أن يتقن الإنسان عمله: ''إنّ الله يُحبّ إذا عمِل أحدكم عملاً أن يُتقنه'' رواه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ويعدّ الإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة، يربّيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فهو مطالب بالإتقان في كلّ عمل تعبّدي أو سلوكي أو معاشي، لأنّ كلّ عمل يقوم به المسلم بنية العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازي عليه، سواء أكان عمل دنيا أم آخرة، قال الله سبحانه وتعالى: {قُل إنّ صلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين. لا شريك له وبذلك أُمِرتُ وأنَا أوّل المسلمين} الأنعام 162 .163 فالمسلم مطالب بترسيخ القيمة التربوية الحياتية في واقعه وسلوكه، لأنّها تمثّل معيار سلامة الفرد وقوّة شخصيته وسمة التغيير الحقيقي فيه، وهو مطالب أيضًا ببذل الجهد في إتقان كلّ عمل ليكسب من خلاله الإخلاص في العمل لارتباطه بمراقبة الله تعالى، كما أنّها تجرّد العمل من مظاهر النّفاق والرِّياء. وصفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنتقل إلى عباده، قال تعالى: {صُنْعَ الله الذي أتْقَنَ كُلَّ شيء} النمل .88 لهذا، تتمثّل عملية الإتقان في تعلُّم المسلم للصّلاة وأدائها بأركانها وشروطها التي تدرّب المسلم على إتقانها، من خلال مراقبة الله عزّ وجلّ والخوف منه، حيث يطالب بها في السابعة ويُضرب عليها في العاشرة، فإذا وصل مرحلة الشباب والتّكليف، كان متقنًا للصّلاة، مجرّدًا لها، محسنًا أدائها. وإذا كان المسلم مطالبًا بالعبادة والعمل المترجم للإيمان، فإنّه مطالب دائمًا بالإحسان في العمل والحياة. غير أنّ هناك تفاوتًا في مجالات الإحسان، حيث ركّز القرآن الكريم في طلب الإحسان في أمور منها الإحسان إلى الوالدين، يقول تعالى: {واعبُدوا اللهَ ولا تُشرِكوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القُربى واليتامى والمساكين...} النساء .36 ويربط سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بين الإحسان والإتقان فيقول: ''إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتُم فأحسنوا القَتلة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته'' رواه الترمذي والنسائي. لقد توجَّه الإسلام في تربيته إلى مجتمع العمل ليكون متقنًا كما علّمنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وجعل الإسلام إتقان العمل عبادة تجيب العامل إلى العمل، وتحقّق له سرّ استخلافه ووجوده، فالمجتمع العامل هو المجتمع المنتج الذي يعتمد أفراده في كسبهم على جهدهم العضلي والفكري. لذلك، دعا الإسلام إلى العمل وباركه، وجعل له جزاء في الآخرة مع جزاء الدّنيا. كما أنّ الإسلام يحرّم استغلال الإنسان، وسلب جهده وطاقته. لقد اعتبر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، اليد العاملة يدًا يُحبّها الله ورسوله، ولا يسمّها ولا تمسّها النّار.