هذا القانون القرآني هو آية من سورة الشّرح: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} أي أنّ اليُسر مصاحبٌ للعُسر، وإذ كان اليُسر نقيضَ العُسر كانت مصاحبةُ اليسر للعسر مقتضيةً نقض تأثير العسر ومبطلةً لعمله، فهو كناية رمزية عن إدراك العناية الإلهية به فيما سبق من الزّمن، والوعد باستمرار ذلك مستقبلاً وفي كلّ الأحوال. فالبشارة الكبيرة، والبركة العظيمة، إنّما تقع في الغالب بعد الامتحان الكبير، فبقدر الامتحان يكون الامتكان، فإنَّ مع العسر يُسرًا: بقدر الفقر يعقب الغنى، وبقدر البلاء يكون العطاء، وبقدر الذّل يعقب العزّ، إن كان في جانب الله. وقس على هذا. فلا يوجد عسر مطبق دائم، إذ لا يخلو عسر من يسر يصاحبه ويلازمه ويغالبه، وإنّه لأمر مؤكّد مكرّر يكرّر بألفاظه: {فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. وجاء في الأثر المرسل: ”لن يغلب عسرٌ يسرين”، كفائدة للتّكرار، حيث قالوا: جاء اليُسر نكرة تعظيمًا له، والمعنى يسرًا عظيمًا؛ لأنَّ الرّحمة غلبت الغضب، والعفو سبق العقوبة، والنّعمة تقدّمَت المحنة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ اللفظ المعرّف إذا كرّر في الكلام يكون الثاني عين الأوّل، وأمّا اللّفظ المنكّر فيحتمل أن يراد بالثاني يسرًا ثانيّا غير الأوّل؛ لِيَكُونَ أَقْوَى لِلْأَمَلِ، وَأَبْعَثَ عَلَى الصَّبْرِ. وقيل: إنّه تكرير للجملة السابقة، لتأكيد معناها، وتقريره في النّفوس، وتمكينه في القلوب، وهو نظير قولك: إنّ مع الفارس رمحًا، وهو ظاهر في وحدة الفارس والرمح؛ وذلك للإطناب والمبالغة. فعليه يكون اليسر فيها عين اليسر في الأولى، ولكن أكدّ القانون بتكراره، والنتيجة واحدة. فالمسلم الّذي يؤمن بهذا يعيش حياته هني البال مطمئن النّفس، يستقبل العسر وهو يرى في ثناياه العسر، وتقابله المحنة وهو يتنسم عَرف المحنة، فلا يأس ولا قنوط، ولا ضجر ولا ضيق، يقول شيخُنا العلامة أحمدُ سحنون رحمه الله: [إنّ القنوط واليأس ليس من شأن المسلم مهما عظم كربُه واشتدّ خطبُه، وإنّما المسلم لا ينقطع رجاؤه من ربّه إلاّ إذا انقطع وجوده من هذه الدّنيا؛ ولذا يجعل القرآن اليأس من روح الله كفرًا، والقنوط من رحمته ضلالاً... وعلام اليأس، وليس لحالةٍ دوامٌ في دنيا الفناء والتّحول؟ وكيف تدوم الشّدة والرّخاء لم يدم؟ ولو دام الرّخاء لما جاءت الشّدة، وهو معنى قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}]. إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر