جاء هذا القانون القرآنيّ العظيم في قصّة موسى عليه السّلام مع سحرة فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}. قال الشيخ ابن عاشور في بيان معناه: [وإضافة {عَمَلَ} إلى {الْمُفْسِدِينَ} يؤذن بأنّه عمل فاسد؛ لأنّه فعل مَنْ شأنُهم الإفساد، فيكون نسجًا على منوالهم، وسيرة على مُعتادهم. والمراد بإصلاح عمل المفسدين الّذي نفاه: أنّه لا يؤيّده، وليس المراد نفي تصييره صالحًا؛ لأنّ ماهية الإفساد لا تقبل أن تصير صلاحًا حتّى ينفي تصييرها كذلك عن الله، وإنّما إصلاحها هو إعطاؤها الصّلاح، فإذا نفى الله إصلاحَها فذلك بتركها وشأنها، ومن شأن الفساد أن يتضاءل مع الزّمان حتّى يضمحل. ولمّا قدم قوله: {إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ} علم أنّ المراد من نفي إصلاحه تسليط أسباب بطلانه عليه حتّى يبطل تأثيره، وأنّ عدم إصلاح أعمالِ أمثالِهم هو إبطالُ أغراضهم منها كقوله تعالى: {وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} أي يظهر بطلانه”. فمعنى {لا يصلح عمل المفسدين} لا يثيبه ولا يديمُه، لا يقوِّيه ولا يكمِّله، ولكن يسلّط عليه الدمار ولا يجعله ينفعهم. فالمفسد يضاد الله في فعله؛ فإنّه يفسد، والله تعالى يتحرّى في جميع أفعاله الصّلاح، فهو سبحانه إذًا: لا يصلح عمل المفسدين ولا يديمه بل يزيله ويمحقه، ولا يقويّه ولا يؤيّده بل يَظهر بطلانه ويجعله مفضوحًا. ”فكلّ مفسد عمل عملاً واحتال كيدًا، أو أتَى بمكر، فإنّ عمله سيبطل ويضمحل، وإن حصل لعمله روجان في وقت ما، فإنّ مآله الاضمحلال والمحق. وأمّا المصلحون الّذين قصدهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة، مأمور بها، فإنّ الله يصلح أعمالهم ويرقّيها، وينمّيها على الدّوام”. فالعبرة بالنّهاية والمآل، فما أكثر عمل المفسدين الّذي أنجح في ظروف معيّنة، لكن لزمن محدّد ثمّ صار وبالاً على أصحابه ونقمة! وعليه فلا نغترّ بعلو المفسدين في زمن ما، ولا نغترّ بنجاة المفسدين في زمن ما، ولا نغترّ بظاهرِ نجاحٍ لعملِ المفسدين في زمن ما، حتّى ننظر ما يكون مآله وخاتمته، فالله لا يصلح عمل المفسدين أبدًا!. *إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر