تبقى بلدية بابار جنوبي خنشلة البلدية الوحيدة التي لا تزال عائلات بها تحافظ على صناعة الزربية، التي كانت إلى وقت غير بعيد مصدر فخر لعائلات تنسجها.. ومع أنها تعدّ مفخرة لعائلات بأكملها، غير أن الأخيرة هجرتها لارتفاع تكاليف إيجادها بصعوبة. في ظل منافسة المنتوج المستورد الزربية محلية الصنع تصارع من أجل البقاء
صناعة الزربية ببلدية بابار ليست سهلة كما يظن الكثير من الناس الذين يتفاجأون بارتفاع سعرها في الأسواق المحلية، عكس الزربية الصناعية التي تنسجها الآلات الحديثة، أو البحث عن زرابي دول خارجية على غرار إيران. فزربية بابار تقليدية أصيلة داعبتها أنامل نساء وُلدن عليها، وفتحن أعينهن على نسجها.. والغني في سنوات الثورة وعقدين من الاستقلال هو الذي تكون زربية بابار جزء من الأفرشة التي تتزيّن به غرف الضيوف، وحتى الوزراء الذين يزورون الولاية أو شخصيات هامة، رياضية أو فنية أو علمية، يكرمون بزربية بابار التي يبدأون بالتساؤل عنها، ويلحّون حتى تهدى لهم. ولكن لا يعرف أحد كيف تنسج الزربية حتى تصل إلى الزبون في زينتها وأناقتها، فزربية بابار ذات الشهرة العالمية استمدت شهرتها من قيام سكان البلدية القدامى باحتراف هذه الصناعة التقليدية، والتي مع مرور السنوات عادت من جديد لتحتل المرتبة الأولى وطنيا، ثم نالت الشهرة من خلال قيام بعض المهاجرين من المنطقة بتعريفها في الدول الأوروبية، التي صار الكثير من هؤلاء الأوروبيين يتهافتون في طلبها، كما أن مشاركتها في مهرجانات وطنية ودولية جعلتها مطلوبة عند كبار الشخصيات الوطنية والدولية، حيث إن الوزراء والفنانين وشخصيات عالمية ووطنية تكرّم بزربية بابار، التي تقوم الدولة، ممثلة في الولاية أو الدوائر، بشراء هذه الزربية وتقديمها هدية لهؤلاء، نظرا لقيمتها الفنية من خلال الزخرفة والألوان المستعملة، والرسومات الفنية التي تقوم أنامل نساء عجائز وفتيات صغيرات السن في إبداعها، رغم الظروف الصعبة التي تنسج فيها الزربية في أرياف البلدية، التي تقوم نساء بامتهان هذه الحرفة التي كانت إلى وقت قريب النساء يتسابقن في إعداد موادها الأولية، من صوف وغزل وغسل، وصباغة، ونسج. ويطالب أي عريس في هذه المنطقة بشرائها لتكون جزءا من جهاز العروس، المطالبة هي الأخرى بإحضارها من بيت أهلها، أو نسجها في بيتها الزوجية، حفاظا على هذا الموروث الثقافي التقليدي الغالي، فالزربية التي نالت شهرتها من جمالها، وفنها صارت اليوم تعاني من الصمود أمام زرابي صناعية، أو الصينية، وظل الكثير يتهافتون على هذا النوع من الزرابي لسعرها الذي هو في متناول الجميع، أمام غلاء الزربية التقليدية، حيث إن سعرها وصل إلى 35 مليون سنتيم، وهو ما جعل شراءها مقصورا على الأغنياء فقط. وأمام غلاء سعرها تراجع الطلب على زربية بابار حتى عند الأغنياء، ليبدأ الكل في هجرها بمن فيهم الذين يعتبرون عرّابيها، وحتى إقامة مصنع لها في بلدية بابار، وتشجيع فتيات صغيرات في السن، ومنحهن مبلغا ماليا قصد النهوض بالزربية، إلا أن ضعف الإمكانات جعل الفتيات يتعلمن تحت إشراف عجائز مارسن هذه الحرفة، ويملكن تجربة كبيرة في صناعة الزربية التي تبقى رغم التطور الصناعي تصارع من أجل أن تكون تراثا حرفيا يجب الاهتمام به. شاهد من أهلها الحرفيون يتنقلون إلى مختلف المهرجانات على حسابهم الخاص أكد لنا الحرفيون الذين يحترفون صناعة الزربية بخنشلة أنهم قرروا الاعتزال، والابتعاد نهائيا عن صناعة الزربية، كونهم يعانون من التنقل والذي يكون على حسابهم الخاص، فالتنقل في حافلة رفقة منتوجهم يزيد من التكاليف التي يجب أن يدفعوها في الفنادق التي ينزلون فيها، ويدفعون ثمن الوجبات، وهذا لا يشجع أبدا، يضيف الشيخ عمار، الذي دأب على المشاركة في معارض داخل الوطن وخارجه، مؤكدا أن الاعتناء بالحرف عموما، والزربية خصوصا، يحتاج إلى تدخل الدولة بالإمكانات المادية والتشجيع، وإقامة مصانع قارة لهذه الحرفة في الولايات التي تنتجها، وتوظف فيها يد عاملة مؤهلة، خاصة وأن هناك فتيات تعلمن الحرفة دون أن يتلقين تشجيعا أو تكريما أو وظيفة يقتنين بها مواد أولية، ويجعلنها مصدر رزق لهن. ويقول محدثنا إن الدولة مدعوة للتدخل قصد تسويق المنتوج داخل الوطن وخارجه، وكذا لتساهم في دعم التكاليف الخاصة بالمواد الأولية التي صارت مكلفة جدا لإنتاج زربية طولها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار، كما أن المنسج التقليدي صار وجوده ضروريا لهذه الحرفة التي تحتاج إلى تركيز دقيق، كونها تصنع بدقة متناهية، وهي متعبة تحتاج إلى صغيرات السن من النساء اللواتي يجب أن يتعلمن، ولا يبقين ينسجنها تقليديا. بورتري عبيدي محمد العيد الحرفة صعبة وممارستها أصعب أكد لنا عبيدي محمد العيد، الذي قضى 50 سنة من عمره في هذه الحرفة، أن صناعة الزربية يجب أن تمر أولا على تحضير مادة الصوف التي يشترط أن تكون كثيرة، حيث يقتضي صناعة الزربية أكثر من 10 قناطير من الصوف، الذي يجب أن يغسل جيدا بمنظفات متطورة، حتى يتم نزع كل الشوائب بها، وتصبح بيضاء ناصعة. بعد ذلك تقوم النساء بتنقيتها جيدا، ثم تمرر على مشطين زوجين، ثم مشط فردي، ثم تشكل خيوط مضاعفة حتى لا يتمزق الخيط، ثم تصبغ هذه القناطير عند حرفي خاص بالصباغة ليعطيها ألوانا مختلفة ومنوعة، ثم تعاد إلى الغسل من جديد بنفس الطريقة الأولى، لتزال عنها بقايا الأصباغ التي لم تنفد بعد إلى خيوط الصوف، وتجفف في الشمس مدة ثلاثة أيام، ليركب المنسج الذي يتشكل من عمودين كبيرين الأول سفلي، والثاني علوي، يتوسطهما عمودان، الأول قار في الوسط يتخذ من العمودين الرئيسيين المسافة نفسها تلف عليه خيوط عمودية تتشكل من أكثر من ألف خيط حسب عرض وطول الزربية، ثم يبدأ نسيجها الذي يكون في دقة متناهية من خلال الرسومات التي يجب أن تضعها النساء في مخيلتهن دون الورقة، حيث ينسج مقدار أصبعين في اليوم الواحد نظرا للدقة المتناهية التي تمر بها الزربية، مضيفا أن زربية بطول 3 أمتار على مترين يستغرق نسجها ما بين 6 إلى 7 أشهر. وأكد محمد العيد عبيدي أن القيمة المالية لهذه الزريبة تصل إلى 35 مليون سنتيم، موجها نداء إلى وزير السياحة والصناعات التقليدية لتشكيل لجنة وطنية لإخراج الحرفيين من الدخلاء الذين صاروا ”يبزنسون” بهذا الموروث، وصار الحرفيون الحقيقيون مغيّبين، مطالبا بأن يكون هؤلاء هم الذين يشرفون على المهرجانات والمعارض. كما طالب بإنشاء مصانع خاصة لهؤلاء الحرفيين، وتشجيع الصاعدين في هذه الحرف، وإيجاد حل لمشكل عدم التكفل بالحرفيين الذين يقومون بالتنقل إلى مختلف الولايات على حسابهم الخاص، مؤكدا أنهم يتكبدون خسائر كبيرة. محمد العيد عبيدي الذي له زوجة وابنتان يمارسن المهنة، أكد أنه تحصل على المرتبة الثانية سنة 2012، والأولى بولاية غرداية شهر مارس 2013، مضيفا أنه حضر جميع الصالونات المنظمة للزربية في كل الولايات منها الجزائر العاصمة وغليزان وغرداية وتبسة ووهران وبسكرة، ولا هدف له إلا العمل على حماية هذا الموروث الأصيل من الاندثار. الحرفيات ومشكل الشبكة الاجتماعية عبّرت بنات كانت أمهاتهن وجداتهن يحترفن صناعة الزربية أنهن قضين سنوات في ورشة لصناعة الزربية ببلدية بابار، ولم يلمسن أي مساعدة ولا تشجيع، حيث كافحن لبقاء زربية بلديتهن موجودة، ولكن بالمقابل تمنح لهن مبالغ لا تتعدى 5 آلاف دينار شهريا، مقابل هذا الجهد الكبير. ويتحدثن بمرارة عن إدارة الظهر لهن، ولم يجدن من يأخذ بيدهن لكي يتحصلن على مقابل يُعِيلْنَ به أفراد عائلتهن، مطالبات بتشجيع إنتاجهن، وبيعه في أسواق وطنية وخارجية مادامت زربية بابار تملك شهرة عالمية، ومطلوبة في كثير من البلدان.