إنّ الرّخاء ابتلاء من اللّه للعباد وفتنة، والصّبر على الرّخاء والقيام بواجب الشُّكر عليه والإحسان فيه أشقّ وأندر من الصّبر على الشِّدّة لأنّ الرّخاء كثيرًا ما ينسي ويلهي، ويرخي الأعضاء وينمّي عناصر المقاومة في النّفس ويهيّئ الفرصة للغرور بالنّعمة والاستكانة إلى الشّيطان. والإعراض عن ذِكر اللّه مُؤْدٍ لا محالة إلى عذاب اللّه، قال جلّ وعزّ: {ومَن يُعرِض عن ذِكر ربّه نسلُكُه عذابًا صعدًا} الجن:17. وفي السنّة المطهّرة ما يدعو إلى الأخوة والاعتصام بحبل اللّه جلّ جلاله. فعن العرباض بن سارية رضي اللّه عنه قال: ”وعظنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم موعظة وجلت منها القلوب وظرفت منها العيون. فقلنا يا رسول اللّه كأنّها موعظة مودّع فأوصنا. قال: ”أوصيكم بتقوى اللّه والسّمع، والطّاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ. وإنّه مَن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا. فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديين عَضُّوا عليها بالنّواجذ. وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ بدعة ضلالة”. والمراد من قوله ”عضّوا عليها بالنّواجذ” أي اجتهدوا على السّنّة وألزموها، واحرصوا عليها كما يلزم العاض على الشّيء بنواجذه (أنيابه) خوفًا من ذهابه وتفلته. فلفظ ”الأمّة” يعني الجماعة أو الوطن بمدلوله العصري، وبعبارة أخرى تشكّل أمّة المجموعة البشرية الّتي تعيش في قطر واحد، وتتميّز بوحدة تاريخية ولغوية ودينية واقتصادية واجتماعية تضعف أو تقوى حسب الظروف والوَقائع وحسب تكيّفها مع الأحداث، ولفظ ”الأمّة” يعني كذلك شخصًا معنويًا قانونيًا يتكوّن من مجموعة بشرية تحكمهم سلطة واحدة ودستور واحد، ويتميّز هذا الشّخص بالسّيادة الوطنية الّتي يمارسها داخل وطنه الّذي تحدّده حدود جغرافيا دقيقة أو سياسية أو اقتصادية، ونظرة إلى التاريخ القديم توضّح أنّ فكرة ”الأمّة” كانت أقوى منها في العصر الحديث.