اهتم الإسلام بتربية الإنسان، على نقاء السَّريرة والإخلاص والنُّصح، من أجل التحرُّك بالبِرّ والوفاء وصِلة الرّحم وإكرام اليتيم والمسكين وبرّ الوالدين والإحسان للجار... وقد حدّد نبيُّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم الغايةَ الأولَى مِنْ بعثته، والمنهجَ الأوَّلَ لدعوته في قوله: "إنّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه. إنّ الهدف الأسمى والأوّلُ لدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هو إرساء البناءِ الأخلاقيِّ للفردِ والمجتمعِ، لأنّ هذا البناءَ الأخلاقيَّ ثمنُ سعادةِ الدّنيا والآخرةِ، والمُتَتَبِّعُ لنصوصِ القرآنِ الكريمِ، ولنصوصِ السّنَّةِ المُطهّرةِ الصّحيحةِ يَجِدُ ذلك التّلازمَ الضروريّ بيْنَ التّدينِ الصّحيحِ وَالخُلُقِ القويمِ، وأَعْنِي بالتّدين الصّحيحِ الاتباعَ، قال الله سبحانه وتعالى: “فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنّمَا يَتّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ” القصص 50. وعن أنس بن مالك قال: مَا خَطَبَنَا نَبِيّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إلّا قال: “لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ” أخرجه أحمد. وإنّ المتتبِّع لهديّ سيّد الخلق عليه الصّلاة والسّلام يجد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حرص على تعديل سلوك الإنسان وذلك بترك العادات السّيِّئة وتعديلها بالعادات الحسنة، ولذلك أخبر الله سبحانه عنه بقوله: “فَبِمَا رَحْمَتٍ مِنَ اللهِ لَنِتَّ لَهُمْ...”. وتأمّل هذا الحديث النّبوّي الشّريف، وكيف استخدم نبيّ الرّحمة صلّى الله عليه وسلّم عدّة خطوات في تعديل السُّلوك، فعن أبي أمامة رضي الله عنه “أنّ فتًى شابًّا أَتَى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا رسول الله ائْذَنْ لي في الزِّنا، قال: فصَاحَ القوم به، وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أَقْرُوهُ وَادْنُهُ، فدَنَا حتّى كان قريبًا من رسول الله، فقال رسول الله: أَتُحِبُّهُ لأُمِّك؟ فقال: لا وَاللهِ يا رسول الله، جعلني الله فِدَاك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ولا النّاس يُحِبُّونَه لأُمّهاتِهم. قال: أَفَتُحِبّهُ لابْنَتِك؟ قال: لا واللهِ يا رسول الله، جعلني الله فِدَاك. قال: ولا النّاس يُحِبّونَه لِبَنَاتِهم، قال: أَفَتُحِبّه لأُخْتِك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فِدَاك. قال: ولا النّاس يُحِبّونَه لأخَوَاتِهم. قال: أَفَتُحِبّه لِعَمَّتِك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فِدَاك. قال: ولا النّاس يُحِبّونَه لِعَمَّاتِهم. قال: أَفَتُحِبّه لِخَالَتِك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فِدَاك. قال: ولا النّاس يُحِبّونَه لِخَالاتِهم. قال: يا رسول الله ادْعُ اللهَ لي. قال: فَوَضَعَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَدَهُ عليه، ثمّ قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: اللّهُمّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ”. قال: فكان لا يَلْتَفِتُ إلى شيء بَعْدُ”. ومن النّماذج العملية الّتي قدّمها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتزكية النّفس البشرية، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبدأ مَن لقيهُ بالسّلام وبوَجه بشوش، وكان إذا لقي أحدًا من الصّحابة بدأه بالمُصافحة، وكان يؤثر الدّاخل عليه بالوسادة الّتي تحته، وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم يُعطي كلّ مَن جلس إليه نَصيبًا من وجهة، أي من النّظر إليه والاهتمام به، وكان عليه الصّلاة والسّلام في كلّ سلوكه يتّسِم بالحَياء والتّواضع، كما كان أكثر النّاس تبسّمًا وضحكًا في وجه أصحابه. وقد يتبادر لذهن الكثيرين: لماذا أصبح سلوك المسلمين غير حضاري، ويفتقد لأخلاق الإسلام من محبّة وتعاون وسلام وغيرها، والله تعالى بيّن دور الإنسان الّذي يفتقد خاصية التعقّل ويتحرّك ببَلادة الحِسّ، لقوله تعالى: “إنَّ شَرَّ الدَّوَابِ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ” الأنفال 22، كما أنّ هناك نحو 350 آية قرآنية تدعو الإنسان للتعقّل والتّدبّر والتّفكير. والإسلام يستمد وجهته من التّرابط الوثيق بين الدّنيا والآخرة، الرُّوح والمادة، وجاء التّنافس في إطار الإسلام لصالح المجتمع الإنساني، بعكس التّنافس في الإطار المادي، الّذي ينشد الرّبح المادي والاستغلال والاحتكار، والّذي ينشد الاستبداد والسّيطرة، بهدف إضعاف الهوية والانتماء وفقدان الرّوح، وقد حذّر الله عزّ وجلّ الإنسان من هوى النّفس وإغراءات الشّيطان، قال تعالى: “وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَائَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ” المؤمنون71.