إن الحشورة السياسية مرض عضال يشمل كل الأشخاص الذين يمارسون السياسة والسلطة في كل مكان وكل زمان في تاريخ الكرة الأرضية، وهذه الحشورة تدخل في مكونات التاريخ وهي عنصر أساسي في تكوين الإنسانية التي عرفت منذ البداية عنصرين اثنين، أي العنصر الثري المتجبر اقتصاديا وسياسيا (الإقطاع) وعنصر الفقير المحروم والمستغل (العبودية). إن التاريخ العلمي لا يمكن له تجاهل التاريخ الواقعي، إذ أننا لا نجد أنفسنا أمام أنساق ثابتة فقط ولا أمام واقع يندمج نسبيا في بنية اجتماعية، بل أمام مجتمعات تتحول خلال الزمن وأمام بنيات اجتماعية خاضعة للتغيير والتطور، أي أنها تظهر في وقت غير مرتقب، ثم تتطور دونما الاهتمام بها، ثم تختفي، أي أنه ليس ثمة تزامن فقط، بل هناك تعاقب أيضا. فالإقطاع حدده بن خلدون كطبيعة وغريزة عند الإنسان والسخاء (الكرم/الكرامة) حدده كثقافة هي نتاج الذكاء الإنساني والحدس الشعبي. إلا أنه ليس يكفي القبول بوجود هذين المجالين للواقع، بل ينبغي القبول بالعلاقة المتبادلة وحتى المغايرة بينهما أيضا، خاصة وأن الأمر يجري ويدور حول رؤية ما إذا كان التعاقب شيئا خارجا عن ذات النسق أم واقعا داخله. وما كان بوسع العلماء ولا بقدرتهم تجاهل التحوّلات الداخلية لهذا الأخير أو أن يختزلوها إلى مجرد اضطرابات (ومثل ذلك انتفاضة 10 أكتوبر 1988 في الجزائر التي أدت إلى ما عرفناه من كارثة دامت عشر سنوات. وكذلك مثل ”الثورات” العربية 2011/2012، والتي فشلت فشلا ذريعا وفتحت الأبواب لعودة سلالة السياسيين القدماء المهنيين والرجعيين وسلالة العسكرǃ) كما كان على علماء السياسة تحديد ما إذا كان التحليل العلمي يتجلى فقط على مستواى التزامن، وما إذا كان المستوى التعاقبي لا يقع ضمن البنية نفسها. فإجمالا إن الأمر يدور حول رؤية ما إذا كان التزامني تاريخيا أيضا، من حيث أن كل بنية هي بدورها نتاج ونتيجة في نفس الوقت. هكذا، إذن إذا قبلنا بثبات نسق ما ثبت نسبيا، وبأنه من الممكن إهمال تحولاته في إطار معين أو إلى حد معين ما دامت لا تؤثر عليه جوهريا وكيفيا، فإنه لا يمكن نفي أن هذا النسق من حيث أنه نتاج تاريخي، يمتلك أصلا ما وأنه يستقر ويتطور ثم يتحول في النهاية، والحال أن هذا هو ”الشيء” الذي يشكل مادة التاريخ. خاصة ونحن نعلم حسب النمط الماركسي المبني أساسا على أن التاريخ هو نتيجة صراعات على جميع المستويات بين طبقات (أما في هذه الطبقات فهو يدخل في باب التطيّر السياسي أو البلاهة السياسية) متضاربة ومتناقضة المصالح، وإذا أخذنا الانتخابات الأخيرة كنموذج، نلاحظ أن كل المترشحين نفوا هذا المعطى الأساسي وقدموا خطابا متشابها، لنتكل على جانب الأرانب ونهتم بخطاب علي بن فليس وخطاب عبد العزيز بوتفليقة، فنجدهما نسخة طبق الأصل، فهذان الخطابان كانا عريضة شعبوية ومنافقة، وكذلك بالنسبة للويزة حنون التي تسيّر حزبا اسمه حزب العمال وهي التي تطرح دائما ودوما قضية الفقراء وقضية الإمبريالية الاقتصادية وخطر الذئاب العاوية من مدراء البنك العالمي والاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للتجارة، وهي كذلك التي تبدي دائما خوفها على الوطن الجزائر، لكن السيدة حنون تبقى تعاني من صمت عار نظرا لتصرفاتها أثناء العشرية الرهيبة ولمشاركتها في مسخرة سانت إيجيديوǃ وأخيرا بالنسبة للرئيس بوتفليقة نهديه هذه المقولة العاقلة ”إنما الموت ضجعة يستريح الجسم فيها” المعري من ”رسالة الغفران”