إذا كان للعمرة فضل عظيم فإنّ فضلها في رمضان يُضاعف، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا رجع من حجّة الوداع قال لامرأة من الأنصار تُدعى أم سنان: “ما منعك أن تحجّي معنا”؟ قالت: أبو فلان (تقصد زوجها) له ناضحان حجّ على أحدهما، والآخر نستقي عليه. فقال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إذا جاء رمضان فاعتمري، فإنّ عمرة فيه تعدل حجّة معي” رواه البخاري ومسلم. تتضاعف الحسنات في هذا الشهر المبارَك ويُضاعف الله فيه الأجر والمثوبة على الأعمال الصّالحة ويجزل سبحانه العطاء للصّائمين القائمين القانتين، وإنّ العمل الصّالح يتضاعف ثوابه ويعظم أجره بشرف المكان كما يتضاعف بشرف الزّمان، فإنّ الصّلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد خلا المسجد النّبويّ، وإنّ العمل الصّالح في ليلة القدر خير من العمل الصّالح في ألف شهر. ومن الأعمال المباركة الّتي يُجمع فيها بين شرف الزّمان وشرف المكان “العمرة” في رمضان، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “عمرة في رمضان تعدل حجة -أو قال-: حجة معي” رواه البخاري، فقد بيَّن هذا الحديث المبارك أنّ العمرة في رمضان أدركت منزلة الحجّ في الأجر والثّواب، لكنّها لا تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أنّ الاعتمار لا يجزئ عن حجّ الفرض. والمضاعفة الحاصلة للأجر سببها كما يقول الإمام ابن الجوزي: “ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت”، ولذلك كان للعمرة في رمضان ثوابٌ مضاعف كما لغيرها من الحسنات. وللحديث السابق روايةٌ أخرى أكثر تفصيلاً، وتعطينا بُعدًا آخر من فضائل العُمرة الرمضانيّة وتعلّقها بشقائق الرّجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لامرأة من الأنصار: “ما منعك أن تحجّي معنا؟” قالت: كان لنا ناضح، فركبه أبو فلان وابنه -زوجها وابنها-، وترك ناضحًا (البعير الذي يُستقى عليه) ننضح عليه، فقال له عليه الصّلاة والسّلام: “فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإنّ عمرةً في رمضان حجة” رواه البخاري. وفي هذا الحديث نرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أرشد المرأة الّتي فاتها الحجّ إلى القيام بعمرةٍ في رمضان، كي تتحصّل على أجرٍ يُضاهي أجر تلك الحجّة التي فاتتها. وإذا كان الرّجال يطرقون أبوابًا للأجر لا يمكن للنّساء أن ينشدوها كباب الجهاد مثلاً، فقد جعل الله عزّ وجلّ لهنّ جهادًا لا قِتَال فيه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! هل على النّساء من جهاد؟ فقال لها: “نعم، عليهنّ جهادٌ لا قتال فيه: الحجّ والعُمرة” رواه أحمد وابن ماجه. ولا شكّ أنّ الأحاديث الّتي تبيّن فضائل العمرة على وجه العموم تدلّ كذلك على فضلها في رمضان وتشملها، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما” رواه البخاري ومسلم، فقد بيَّن الحديث فضيلة العمرة وما تُحْدِثُه من تكفيرٍ للخطايا والذنوب الواقعة بين العمرتين. وتتضمّن العمرة جملةً من الأعمال الصّالحة الّتي ورد بخصوصها الأجر، فمن ذلك أجر الطّواف، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن طاف بالبيت أسبوعًا لا يضع قدمًا، ولا يرفع أخرى إلاّ حطّ الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة، ورفع له بها درجة” أخرجه ابن حبان، وفي رواية أخرى: “مَن طاف سبعًا، فهو كعِدْل رقبة” رواه النسائي. ودلّت السُّنّة أنّ النّفقة الّتي يتكلّفها المرء لأداء هذه المناسك له فيها أجر، فعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال لها في عمرتها: “إنّ لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك” رواه الحاكم. وكذلك للمعتمر في رمضان فضل الصّلاة في المسجد المكّي والمسجد النّبويّ. روى الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “صلاة في مسجدي -أي المسجد النّبويّ- أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه”.