في حال ما لم يشرع المتعاقد في تنفيذ مخطط التطوير خلال الستة أشهر التي تلي الإشعار بالموافقة على المخطط، فإن سلطة الضبط “النفط” تحتفظ بحق فسخ هذا العقد، ولفهم إدراج مثل هذا البند يتعين العودة إلى الوراء للنظر في مشاكل تأخر العديد من مشاريع الشراكة التي حدثت في السابق، فهذه المشاريع التي لم تجسد تسببت في خسائر للبلاد ودفعت سوناطراك إلى أن تفكر في تطوير الحقول بمفردها، بعد ضياع وقت طويل. ولن أسرد هنا كافة الأسباب، لكنني أكتفي بالقول إنه بالنسبة لبعض الشركات، فإنه من بين أهم أسباب الخلاف القائم مع سوناطراك حول تحديد مقاييس المردود، بينما كانت نية البعض الآخر منذ البداية تطوير المواقع والحقول، بقدر ما كانت التنازل عن الحصص مقابل الاستفادة من فائض قيمة مرتفع، ولم يكن هذا الأمر صعب التحقيق تجاريا، بشرط امتثال المشتري لنفس الشروط التعاقدية. وكانت “النفط” بالتالي محقة في إدراج مثل هذا البند، لكن المشكل كان يكمن في مدة ستة أشهر التي حددت لفسخ العقد في حال ما إذا لم ينفذ المتعاقد مخطط التطوير، ونعني بتنفيذ مخطط التطوير الشروع في أشغال بناء المنشآت الخاصة بالمعالجة والتنقيب، إلا أنه حتى في محيط وبيئة البلدان المتطورة، لا يمكن من الناحية التقنية إطلاق مناقصات ومنح عقود وتجنيد موارد في ظرف ستة أشهر، أما في الجزائر ونظرا لثقل الإجراءات وعملية اتخاذ القرار، فإن المسار لا يمكن أن ينتهي في أقل من سنة واحدة. وعليه، كان من الأجدر منح مدة زمنية معقولة للشروع في تنفيذ مخطط التطوير، أو تحديد ماهية المخطط، مثل القول بأنه إطلاق المناقصة بهدف التنقيب ومرحلة التطوير بالأشغال الهندسية لما قبل تجسيد المشروع. خطر سحب صفة المتعامل في حال إخلال متعامل ما بالتزاماته، فإنه يحق لسوناطراك أن تضمن دور المتعامل بعد موافقة “النفط” للسماح بمواصلة تنفيذ العمليات النفطية، إلا أن مهام المتعامل تمتد من الطلب البسيط للترخيص على النفقات إلى غاية قيادة العمليات النفطية في الميدان، هذا البند أثار مخاوف لدى خبراء القانون في الشركات البترولية لأنها تعني أن أي إخلال أيا كان مستواه وحجمه يمكن أن يؤدي إلى سحب صفة المتعامل وتحويله لصالح سوناطراك بمفردها، وقد كان من الأجدر كتابة هذا البند على شكل أوضح مثل “في حال إخلال الشريك بصفته متعاملا بمهامه الذي قد يؤدي إلى توقف الإنتاج أو النشاطات البترولية، فإنه يحق لسوناطراك أن تضمن دور المتعامل بعد موافقة النفط للسماح بمواصلة تنفيذ العمليات البترولية”. تجدر الإشارة إلى أن التفسيرات وتبعات البنود المذكورة لا تطرح أي إشكال في حال التفاهم بين الشركاء والقضايا البسيطة ولكن الوضع يتعقد في حال الخلافات الخطيرة التي يمكن أن تؤدي إلى التحكيم، لأن كل التفسيرات تصبح محتملة وممكنة وهو ما تخشاه الشركات البترولية، لإدراكها بالعدد العالي لحالات التحكيم المسجلة في السابق أو الحالية. وأخيرا يمكن أن نذكر أيضا ضمان الشركة الأم كما تفرضه التشريعات الجزائرية، فهذا الضمان شرعي وهو مطلوب في أغلب البلدان، إلا أنه في الحالة الجزائرية، تدفع طريقة صياغته إلى تفسيره من قبل الشركات البترولية على أنه ضمان غير محدود، وفي مجال المسؤولية تبقى الشركات متخوفة من كل ما هو غير محدود منذ حادث تسرب النفط لموقع “بريتيش بتروليوم” في خليج المكسيك بتاريخ 20 أفريل 2010 والذي كاد يعصف بالشركة. وعموما، فإن الشركات تتحمل مسؤولياتها، لكن ليس بتكلفة وجودها، الإشكال أن كتابة هذا الضمان كجزء من القانون لا يترك مجالا ل«النفط” بأن تصيغه باتفاق مشترك مع الشركات بصفة تجعله أقل إثارة للتشاؤم والتحفظ. عوامل أخرى لقد أدى التأخر في صدور النصوص التطبيقية للقانون في بروز بعض الشكوك، في وقت باشرت الشركات محاكاتها وكانت كل العناصر ضرورية وبدقة. وخلال جلسات التدقيق، لم يكن ممكنا الجزم في كافة الأجوبة التي كان يتعين إعطاؤها مقابل طلبات التوضيح، وتم الاقتصار على الإشارة إلى وجود نصوص تطبيقية غير منشورة بعد، وهو ما وضع إطارات “النفط” في حرج، رغم إرادتهم الحسنة، ولم يكن رحيل بعض الشركات ليمثل مؤشرا إيجابيا، علما أن الشركات تتشاور فيما بينها حتى ولو كانت متنافسة، وكان غياب بند الديمومة في العقود عاملا جعل بعض الشركات تعبّر عن عدم ارتياحها، لأن رأس المال يفر من غياب وضوح الرؤية على المدى الطويل، فضلا عن غياب الشروط الجبائية والقانونية التي لم تتم مراجعتها، على الأقل بالنسبة للفترات التي تعتبرها الشركات ضرورية لاستعادة استثماراتها وضمان أرباح لمساهميها. بالمقابل، بدأت منطقة شمال إفريقيا تفقد جاذبيتها لصالح شرق إفريقيا التي تتجه إليها العديد من الشركات، هذه الأخيرة تنجذب إلى إطار جبائي وقانوني أفضل ونتائج واعدة خلال السنوات المقبلة. وعليه، فإنه مطلوب من بلدان شمال إفريقيا تقديم تنازلات أكبر في المجال الجبائي والقانوني إذا أرادت قلب المعادلة أو الاعتماد على وسائلها الخاصة. ويمكن إضافة بطء اتخاذ القرارات وثقل الإجراءات الإدارية والتي تخرج غالبيتها عن نطاق “النفط” وسوناطراك. خلاصة القول: 1 التحسينات الجبائية ليست مثيرة للاهتمام إلا إذا كان الأمر يتعلق بالحقول المعزولة أو المعقدة جيولوجيا أو بتكلفة تطوير عالية، أما بالنسبة للحقول التقليدية، فإن قانون المحروقات الجديد بقي دون آمال وتطلعات الشركات البترولية، لكونه أدخل تعقيدات أكبر وغياب الرؤية على المدى الطويل بالنسبة لهذه الأصناف من الحقول. 2 يتضمن الإطار القانوني مخاطر، لا تترك فيها مجال الاختيار للشركات البترولية إلا للإذعان والخضوع لقرارات سوناطراك، إضافة إلى خطر سحب الرخصة أو دور المتعامل لأسباب غير محددة بوضوح، وبما أن الهدف الأول لأي مؤسسة هو الربح، فإن إطارا قانونيا مناسبا ودائما في محيط أقل بيروقراطية يكتسي أهمية كبيرة أيضا. 3 نحن في وضع أضحى فيه العرض يفوق قدرات الاستثمار لدى الشركات، ما يجعلها انتقائية في اختياراتها وتفضل وضع أموالها في أطر جبائية وقانونية أفضل، وعليه وجب مطابقة إطارنا الجبائي والقانوني مع ما يتم في المناطق الأخرى وإن كان ذلك ليس الخيار الأمثل بالضرورة أو أننا نتخذ التدابير المناسبة للاعتماد فقط على إمكاناتنا الخاصة. * إطار سام سابق في سوناطراك