يطرح سفر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا بغرض العلاج، مدى قدرته على الوفاء بأعباء الرئاسة، ويفتح من جديد شهية قطاع من المعارضة التي تطالب بتطبيق المادة 88 من الدستور. غير أن أهم ما أكدته هذه السفرية، هو التعتيم الذي تعمدته الرئاسة حول تواجده في عيادة بغرونوبل، فلولا صحيفة محلية فرنسية ما كان الجزائريون علموا بالموضوع. لا أحد يعرف لماذا تنقل (أو نقل) بوتفليقة إلى فرنسا للعلاج. هل الأمر يتعلق بفحوصات روتينية أم أن حالته الصحية ساءت ما استدعى نقله على استعجال إلى مصلحة أمراض القلب والأوعية بعيادة غرونوبل؟ لماذا لم يمارس وزير الاتصال حميد ڤرين مهامه الرسمية فيعلم الجزائريين بتطورات استشفاء رئيسهم في فرنسا؟ أليس ذلك من صميم الاحترافية وأخلاق مهنة وزير الاتصال؟ أين هو مبدأ “الفضيلة” التي صدّع رؤوسنا بها السيد ڤرين؟ أم أنه آخر من يعلم بموضوع سفر الرئيس، لأنه لا ينتمي للدائرة المقربة من جماعة الرئيس حتى يحصل على المعلومة؟ وفي كل الأحوال، يقفز من جديد الجدل الذي يدوم منذ قرابة 9 سنوات حول قدرة الرئيس جسديا وذهنيا على أداء مهامه المنصوص عليها دستوريا. فبحكم أن الرئيس ركز بين يديه جميع السلطات والصلاحيات، منذ تعديل الدستور في 12 نوفمبر 2008، تصاب السلطة التنفيذية بالشلل عندما يتوقف بوتفليقة عن النشاط، خاصة في الجانب الذي ينبغي أن يتدخل هو فيه دون سواه. بوتفليقة يوقَع المراسيم وهو من يعيّن في مناصب المسؤولية، هو من يؤدي نشاط السياسة الخارجية للدولة. هذه المهام الممنوحة له بموجب الدستور (المادتان 77 و78)، يمنع عليه دستوريا تفوضيها لغيره. فعلى من تقع مسؤولية ضمان ديمومة مؤسسات الدولة وبانتظام ما دام الرئيس عاجزا؟ قانونا ودستوريا لا يوجد نائب للرئيس يحل محله عندما يغيب، وبالتالي فتسيير الدولة من بعيد ودون أن ينخرط الرئيس بنفسه في التفاعل مع الشأن العام، غير ممكن. وبما أن بوتفليقة منسحب من المشهد بسبب المرض ولا يظهر إلا عندما يشتد ضغط الإشاعات، مفروض أن يعلن في أعلى هرم الدولة أنه في عطلة مرضية. وفي الحالة التي يوجد عليها الرئيس، ليس بإمكان مؤسسة الرئاسة أن تحلَ محله. بمعنى لا يمكن لأي مسؤول أن يزعم بأن “مؤسسات الدولة تسير رغم مرض الرئيس”. وما دام بوتفليقة غير قادر على الوفاء بأعباء إدارة الشأن العام، فالوزير الأول بصفته الرجل الثاني في السلطة التنفيذية، هو واجهة المنظومة المؤسساتية. لكن سلطات عبد المالك سلال محدودة جدا، لا تزيد عن توزيع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة ورئاسة اجتماعاتها، والسهر على تطبيق القوانين والتطبيقات، وضمان استمرار عمل الإدارة العمومية. في القسم الدستوري الذي أداه بوتفليقة في 28 أفريل الماضي، ردّد العبارات التالية وراء الرئيس الأول للمحكمة العليا: “أسهر على استمرارية الدولة وأعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري”. السؤال المحوري هو هل بوتفليقة يفي بما تتضمنه هذه الفقرة ؟ وليس خافيا على أحد أن المرض يلازم بوتفليقة كظلَه منذ 26 نوفمبر 2005 تاريخ تحويله إلى فال دوغراس، وهو يعاني من نزيف حاد في المعدة. بعد تلك الحادثة تراجع نشاط الرئيس بشكل لافت، وأثَر ذلك على سير المؤسسات لأن كل شيء في البلاد مرتبط بالرئيس. لذلك فنقل الرئيس مجددا للعلاج بفرنسا، يعطي المعارضة ورقة قوية للمطالبة بتفعيل المادة 88 من الدستور. ولكن من هي الجهة التي ينبغي أن تتحرك لإطلاق الترتيبات الخاصة بتطبيق هذه المادة ؟ عن ذلك يقول المتخصص في القانون العام، القاضي النقابي سابقا عبد الله هبّول ل«الخبر”: “يتضمن الدستور ثغرة متعمدة تتعلق بعدم تحديد السلطة التي يعود لها الحق في إخطار المجلس الدستوري، كي يلتئم ويلاحظ استحالة ممارسة الرئيس مهامه بسبب مانع، يعود إلى مرض مزمن وخطير. فالمادة الدستورية محل الجدل لا تعطي للمجلس الدستوري حق الإخطار الذاتي في هذه القضية، وهي وضعية مقصودة”. وأضاف هبّول: “منصب رئيس الجمهورية مرتبط بدور المؤسسة العسكرية الفاعل في تدبير شؤون الدولة، فمن يصنع الرؤساء منذ الاستقلال هو الجيش وهو من يزيحهم. لكن لو منح للجيش صلاحية إخطار المجلس الدستوري سيفهم بأن لديه وصاية على حق الشعب في اختيار رئيسه ! خلاصة القول إن صياغة المادة 88 تشبه من بنى غرفة ولم يضع لها لا أبوابا ولا نوافذ، بمعنى يستحيل الدخول إليها. وبالمحصلة هي مستحيلة التطبيق إذا تم التقيد بحرفية النص. يبقى أمام هذا المأزق ضرورة الرجوع إلى الواقع السياسي، هو أن الجيش وفي غياب مؤسسة أخرى قوية هو من يملك مفتاح حل المعضلة”.