إنّ مئات الآلاف من المساجد في الأرض اختار النّاس مواضع بنائها، إلاّ ثلاثة مساجد عظيمة اختار الله سبحانه أماكن تشييدها، رِفعًا لمكانتها وتعظيمًا لشأنها، وتنويهًا بقدرها، وتنبيهًا على أهمّيتها، وهي المسجد الحرام، المسجد النّبوي والمسجد الأقصى. إنّ الله عزّوجلّ ربط بين هذه المساجد المباركة برباط العقيدة الّذي لا ينفصم أبدًا، ومن نكد الأيّام أن نجد من المسلمين مَن يُعظِّم الحرمين ولا يفتأ يعتمر أو يحجّ إليهما أمّا المسجد الأقصى فلا مكان له في اهتماماته، بل يراه شأنًا فلسطينيا إيمانًا بحدود (سايكس بيكو) وغفلة عن أمر الله وحكمه. إنّ الرّبط بين المساجد الثلاثة سيبقَى قرآنًا تتلوه الأجيال وحجّة على الغافلين: ”سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ..”، والتّعبير بالأقصى إشارة لوجود مسجد قصيّ هو المسجد النّبويّ، وقال أيضًا: ”وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِنِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ”. والمقصود المدن الثلاث الّتي بعث الله في كلّ واحد منها نبيًّا مُرسلًا من أولي العزم أصحاب الشّرائع الكبار، فالأولى: محلة التِّين والزّيتون، وهي بيت المقدس الّتي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثانية: طور سنين، وهو طور سيناء الّذي كلّم الله عليه موسى بن عمران. والثالثة: مكّة، وهو البلد الأمين الّذي مَن دخله كان آمِنًا، وهو الّذي أرسل فيه محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم. وربط الله بين الأقصى والمسجد الحرام لمّا جعله أولى القِبْلتين، فقد توجّه إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاته في مكّة وسبعة عشر شهرًا في المدينة ولكنّه الآن مُدنَّسٌ من اليهود ومُهمَل من كثير من المسلمين! وربط بينهما في رحلة الإسراء الكريمة، حيث لو لم يكن الأقصى مقصودًا بالتّشريف لأمكن العروج من مكّة إلى السّماوات مباشرة ولكن هو الرّبط بين المسجدين! كما أنّ المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بُني في الأرض، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله، أيُّ مسجد وضع أوّل؟، قال: ”المسجد الحرام”. قلتُ: ثمّ أيّ؟، قال: ”ثمّ المسجد الأقصى” رواه البخاري. ومن مظاهر الرَّبط بين المساجد المباركة التّشريك بينها في حكم الخصوصية، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تُشَدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومسجد الأقصى” رواه البخاري. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي ألف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة” رواه البيهقي. أفبعد هذه النُّصوص والأحكام الشّرعية يبقى هذا الإهمال للمسجد الأقصى؟!، أو تبقى تلك الأصوات النشاز عن التّفاوض والتّنازل عن الأقصى؟!، أو يبقى فينا مَن يقول: هذه قضية سياسية أو شأن فلسطيني؟!، أو نبقى على هذه الحال الغريبة: نُفرِّق بين ما جمع الله بينه؛ فنُعِزّ الحرمين الشّريفين ونقدّسُهما، ونُهمل المسجد الأقصى ونُقصِّر في حقّه؟!، أو يبقى المسلمون متفرّجين والأقصى يُحضَّر لتقسيمه أو تهديمه؟!. ولو نطق المسجد الأقصى لخاطبنا بقوله: كلُّ المساجد طُهِّرت وأنا على شرفي أُدنَّس؟!