أفادت مصادر مقربة من قطاع المالية ل”الخبر” بأن سوق السيارات من بين القطاعات التي ستكون محل ضبط وتأطير، سواء على المستوى الجبائي أو التجاري، حيث سيكون هذا السوق من بين أهم الفروع المعنية برخص الاستيراد. أوضحت المصادر نفسها أن الفرع حظي بمراقبة جبائية في الفترة السابقة، وستتواصل الإجراءات في هذا المجال، لاسيما بعد إعلان وزارة التجارية عن إخضاع وكلاء السيارات لإلزامية التصريح بالرسم على أرباح المؤسسات بداية من 2016، إضافة إلى خضوع المتعاملين لعمليات مراقبة دورية للمصالح الجبائية، وإخضاع فرع السيارات لنظام التراخيص للاستيراد. ويتضح من خلال التصريحات المتتالية لوزير التجارة وتفصيل دفتر الشروط الخاص بنشاط الوكلاء من قبل وزارة الصناعة، والدعوة إلى التنسيق مع وزارة المالية، أن الحكومة بصدد التشديد على نشاط المتعاملين، بل والإبقاء أيضا على الوضع القائم لفترة، وهو ما يتجلى في نتائج التقرير المعد من قبل وزارة التجارة، الذي اتسم بنبرته الحادة، حيث وجهت لأول مرة اتهامات صريحة بخصوص تلاعبات واختلالات في سياسات التسويق والتهرب الجبائي والتحويلات المالية وتضخيم الفوترة، التي تساهم في تحجيم حصة الفوائد المعلنة والتي تفرض عليها رسوم الأرباح، وتعظيم الفوائد المحولة إلى الخارج، مع تحقيق سنويا هوامش أرباح معتبرة. لكن السؤال المطروح: كيف لنشاط كبير بمثل هذا الحجم لم يثر انتباه السلطات العمومية من قبل، رغم أنه نشاط يخضع لسلسلة من آليات الرقابة، بداية ببنك الجزائر والضرائب والجمارك؟ وعلى صعيد متصل، يبدو أن السلطات العمومية بصدد وضع قواعد جديدة لسوق السيارات بآليات تدفع إلى الرقابة القبلية والبعدية لنشاط الوكلاء ودفع الجزائر إلى الانخراط في قواعد الاستثمار الجديدة أي 51 و49 في المائة وفرض متعاملين محليين، فضلا على الدفع إلى اعتماد سياسات صناعية ولو على سبيل المناولة. فقد تم التركيز في تقرير وزارة التجارة على مؤشرات منها احتكار القلة لسوق السيارات، وتحقيق المتعاملين حصيلة سلبية، بل والتصريح بالعجز المالي مقابل مبيعات متزايدة، حيث سجل ثمانية متعاملين عجزا ماليا معتبرا. ويسود الاعتقاد بأن التركيز على “العلامات الفرنسية” التي تمتلك فروعا تعود إلى الشركة الأم رسالة ضمنية من السلطات، خاصة أنها تمثل أكبر حصة في سوق السيارات في الجزائر. وقد أشار التقرير الصادر عن وزارة التجارة إلى فرع صانع فرنسي سجل عجزا ب742 مليون دينار، وتبني السلطات تصوراتها حول “تلاعبات” قد يلجأ إليها المتعاملون لتعظيم أرباحهم وتقليص أعبائهم، حيث يتم، حسب نفس التصور، تضخيم الأعباء، وهو ما يسمح بتخفيف الضرائب التي يتم دفعها وبالتالي يتم تعظيم الأرباح. ومن شأن التركيز على الثغرات والنقائص في سوق السيارات تصحيح الوضع، منه شبه الاحتكار القائم وما ينتج عنه من اختلالات على المستوى الجبائي، استنادا إلى تقرير وزارة التجارة التي تفيد بأن قلة من المتعاملين يمتلكون 52 في المائة من سوق السيارات في الجزائر، لكنهم بالمقابل يمثلون 25 في المائة من الحصيلة الإجمالية لفرع السيارات في الجزائر، وهو ما يعني ضمنيا أن هؤلاء يجنون أرباحا معتبرة ولكنهم بالمقابل يدفعون ضرائب قليلة، على عكس المتعاملين المحليين الذين يمثلون 48 في المائة من حصص السوق و75 في المائة من أرباح فرع النشاط. ونفس الأمر ينطبق على العمليات التجارية، حيث مثل ثلاثة متعاملين 2.5 مليار دولار استيراد من مجموع 5.2 مليار دولار سنة 2014، يضاف إلى ذلك السياسات التسويقية التي تتجلى في ارتفاع الأسعار والتي يدفعها المستخدم أو المواطن، بما فيها تحميل المواطن الرسم على السيارات الجديدة. وتبقى هنالك نقاط ظل في مسعى الحكومة بخصوص كيفية التعامل مع سوق عرف نموا كبيرا وسريعا في فترة وجيزة وعجزت السلطات عن التعامل معه بصورة مثلى، ولا يمكن أن تتم معالجة الأمر بمجرد إصدار قرارات إدارية، في ظل غياب البدائل في السوق، فلا الاقتصاد الجزائري قادر على تقديم البديل الصناعي على المدى القصير ولا السلطات قادرة على ضمان الرقابة الفعلية دون إحداث انسداد كامل كما هو الحال حاليا، حيث تم اللجوء إلى الخيار الأقصى المتمثل في توقيف كافة عمليات الاستيراد، في انتظار اعتماد دفتر الشروط الجديد بالمواصفات العامة التي تتضمن مقاييس خاصة بالأمن والسلامة.