يقول الله سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة:183 ، فالصّيام من أكبر أسباب التّقوى، لأنّ فيه امتثالَ أمر الله تعالى واجتناب نهيه، متقرّبًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها ثوابه. رمضان مدرسة تربوية يتدرّب فيها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود الله عزّوجلّ في كلّ شيء، والتّسليم لحُكمه في كلّ شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كلّ شيء، وترك ما يضرُّه في دينه أو دنياه أو بدنه من كلّ شيء، ليَضبط جوارحه وأحاسيسه جميعًا عن كلّ ما لا ينبغي في هذا الشّهر المبارك، ليَحصل على تقوى الله في كلّ وقت وحين، وفي أيّ حال ومكان. والتّقوى خير لباس يلبسه المرء، قال الله تعالى: “يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” الأعراف:26، وقد بيّنَ القرآن الكريم أثر التّقوى في نفسية المؤمن في الدّنيا، قال تعالى: “وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” الطلاق:4. كما أنّ التّقوى تزيل الخوف وتجلب الأُنس في الآخرة، قال الله سبحانه: “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ” القمر:54-55. كما تُعدّ تقوى الله تعالى دافع للعبد أن يعمل الخير وأن يجتنب الشرّ، لذا كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يفتتح خطبه بالحثِّ على التّقوى بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” آل عمران:102، وقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” الأحزاب:70-71، فهذه الآيات تحثّ المؤمن على الإقدام للعمل بالصّالحات واجتناب السيّئات. كما يعدّ اجتناب الشّرور دافعًا لتقوى الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: “وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا” البقرة:282، وقوله سبحانه: “قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا” مريم:18، وقوله “فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ” البقرة:283، لأنّ التّقوى مانع من بخس الحقِّ، أو إضاعة الأمانة، أو التعدِّي على حرمات النّساء، بل إنّ الله عزّ وجلّ يقول: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ” الحج:32. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُوصي أصحابه بتَقوى الله وإذا أرسل سرِيَّةً يوصي أميرها في خاصة نفسه بتقوى الله وبمَن معه خيرًا، ولمّا خطب يوم النّحر في حجّة الوداع أوصى النّاس بتَقوى الله لحاجة النّاس إلى هذه الوصية ولعظيم أهمّيتها وفائدتها. ولقد اعتنى السّلف الصّالح بتحقيق التّقوى في نفوسهم وتوضيح معناها ومبناها، ولم يزالوا يتواصون بها؛ قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: “الْمُتَّقَونَ: الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِه”. فالصّائم يدرِّب نفسه على مراقبة الله سبحانه وتعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه، وأنّه يضيّق مجاري الشّيطان، لأنّه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه وتقلُّ منه المعاصي، كما أنّ الصّائم تكثر طاعته والطّاعات من خصال التّقوى.