المسلم الّذي يحرص على القراءة والمُطالعة والبحث سوف يُلاحظ أنّ الأحاديث النّبويّة الشّريفة الّتي وردت عن الصّوم وعن شهر رمضان كثيرة في مصادر ومظان السنَّة النّبويّة المطهّرة.. ويحتاج الصّائم في هذا الشّهر الفضيل إلى مطالعتها وتأمّل أحكامها ومقاصدها النّفسية والتّربوية المختلفة، والانتفاع بها في حياته العملية. لعلّ أوّل حديث يسترعي الانتباه والنّظر في هذا السّياق، الحديث الّذي رُوي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “الصّيام والقرآن يَشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ منعتُه من الطّعام والشّراب فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه من النّوم باللّيل فشفِّعني فيه، قال: فيشفعان..”. وإنّ هذا الحديث الجليل إنّما هو زاد فاعل يقوِّي من عزم وإرادة الإنسان المسلم أثناء شهر رمضان، بل يجعله يُقبل على قراءة القرآن والاستمداد منه، والتّحلّي بالصّبر مهما اشتدّ قيظُ النّهار ومهمَا تطاولتْ ساعاتُ النّهار، فالجزاء ليس هيّنًا أو بسيطًا، إنّه الشّفاعة يوم يكون النّاس في أمسّ الحاجة إلى شفعاء أو مُشفّعين. ويجيء حديث آخر يحمل المسلم حملاً قويًا على الإخلاص في صومه والاستمرار فيه إلى بداية اللّيل، مهما كانت المشقّة والمُعاناة وذلك لخطورة ما يترتّب عن الاستهانة بالصّوم والإقدام على الفطر بغير عذر شرعي مقنع أو مقرّر، وهو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة رخَّصها الله له لم يقض عنه صيام الدّهر كلّه وإن صامه”. وتتوالى في السُّنَّة المُطهّرة الأحاديث المرغِّبة للمسلم في صوم هذا الشّهر الكريم، والحضّ على حسن استقباله، ومحاولة إحداث التّغيير الإيجابي في البناء النّفسي والسّلوكي، وشحذ الطّاقة الرّوحية، خلال سائر أيّامه ولياليه المباركة، فرمضان فرصة ثمينة للتّزوّد من الخير، وفضاؤه الزّمني فرصة لا تتكرّر سوى مرّة واحدة من كلّ عام، فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “إذا كان أوّل ليلة من رمضان صُفِّدت الشّياطين ومَرَدَة الجنّ، وفُتحت أبواب الجنّة فلم يُغلق منها باب، وغُلقت أبواب النّار فلم يُفتح منها باب، ويُنادي مناد يا باغي الخير أقْبِل ويا باغي الشّرّ أقْصِر، ولله عُتقاء من النّار وذلك كلّ ليلة..”. وجوهر هذا النّص وارد في الصّحيحين عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنّة، وغُلقت أبواب النّار، وسُلسلت الشّياطين”. ونظرًا لما لمنزلة هذا الشّهر الجليل في ضمير المسلم وتركيبته النّفسية والرّوحية والإيمانية من موقع ومكانة، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يبشّر أصحابه بقدوم رمضان ويدعوهم للفرح بهلاله فيقول: “جاء شهر رمضان بالبركات فمرحبًا به من زائر وآت..”، كما ورد أيضًا عن عُبادة بن الصّامت رضي الله عنه أنّ رسول صلّى الله عليه وسلّم قال: “أتاكم رمضان شهر بركة يَغشاكم الله فيه فينزل الرّحمة ويحطّ الخطايا ويستجيب فيه الدّعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويُباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيْرًا فإنّ الشّقيَّ مَنْ حُرم فيه رحمة الله” رواه الطّبراني. كاتب وأستاذ جامعي