انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة صورة صارخة عن الفساد الذي أصبح هو السلطة الفعلية في البلاد. الصراع الذي نشب بين الأفالان والأرندي على مقاعد مجلس الأمة، لم يكن صراعا بين الحزبين بواسطة برامج اقتصادية وسياسية، بل كان صراعا بين الحزبين ببرامج الفساد.. لأن البرنامج الذي ترشح به مترشحو كل حزب من الأرندي والأفالان هو برنامج الرئيس.. أي أن التنافس بين نواب الحزبين كان داخل رواق واحد هو رواق تأييد الرئيس. الوسائل المستخدمة في العراك الانتخابي بين الحزبين كان هو الفساد، بحيث كان المال الفاسد سيد الموقف في المفاضلة بين مترشحي هذين الحزبين. وسيشهد التاريخ الحديث أن مجلس الأمة أصبح الوصول إلى عضويته لا يحددها النضال، بل يحددها الفساد، وبالتحديد المال الفاسد. والغريب في الأمر أن الذين يسعون إلى عضوية مجلس الأمة من أحزاب الحكم لا تهمهم ممارسة السياسة في هذه الهيئة الحيوية، بل تهمهم من العضوية في مجلس الأمة الحصانة البرلمانية، فهناك 50% منها أموال طائلة لشراء العضوية والظفر بالحصانة والتحصن بها من متابعة العدالة لهم في ملفات فساد. والأغرب من كل هذا، أن المناصب الحساسة في البرلمان ومجلس الأمة أصبحت تسند إلى رجال المال الفاسد لزيادة تأثيرهم في حماية المستفيدين من الحصانة البرلمانية، واستخدامها ضد المتابعات القانونية. لا يحتاج المرء إلى كبير عناء لمعرفة أن رموز الفساد أصبحت لها اليد الطولى في إدارة شؤون هذه الأحزاب، من حيث التأثير على نوعية من تسند لهم المهام السياسية في الحزب أو البرلمان أو حتى الحكومة. الآن.. يمكن أن نقول بكل وضوح إن البرلمان، ومجلس الأمة تحديدا، أصبح ملاذا آمنا للمستفيدين للتحصن به ضد العدالة بواسطة الحصانة، والمصيبة أن لا الأحزاب السياسية تقوم بدورها في كشف هؤلاء، ولا حتى أجهزة الأمن تقوم بمهامها.. ولا حتى وسائل الإعلام تقوم بدورها... فالكل يتواطأ من أجل أن يصبح البرلمان ومجلس الأمة محطات آمنة لإدارة عمليات الفساد، وقد وصل الأمر حتى إلى حماية تجار المخدرات والممنوعات بواسطة الحصانة البرلمانية.. إنها المصيبة.