يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَحِيمٌ}. خبر عاجل! وصلك الخبر؟ فضيحة الموسم، شخصية مرموقة تُضبط متلبّسة في جريمة، مسؤول كبير يقبض عليه في قضية فلانية، لاعب دولي مشهور ضبط في كذا، والحبل على الجرّار.. فضائح وشائعات، تنشر كالنّار في الهشيم، ويتسابق مرضى القلوب والمرجفون في المدينة إلى نشرها وإشاعتها ومتابعتها، لينفثوا فيها من سموم أحقادهم، ويحملوا أثقالاً مع أثقالهم، وأوزارًا مع أوزارهم، تراه يقول لك: وصلني للتو أنّهم رأوا فلانًا مع فلانة في سيارة، من غير أن يتبيّن، فقد تكون الّتي في السيارة مع زيد من النّاس من محارمه، وهنا تظهر الأقوال المفبركة، والأفلام المحبوكة، وبعضهم يصل به المرض إلى إدمان الاتصالات وقطع المسافات ليتجسّس ويتحسّس، ويفتّش وينبش، علّه يصل إلى شبهة دليل لاتهام فلان أو علان، حتّى يتفكّه بعرضه في المجالس والمنتديات. اعلم أيّها الفاضل أنّه لا يجوز لك أن تتّبع عورات الآخرين أو تخوض في أعراضهم، أو تشهِّر بهم دون مسوِّغ شرعي، فتتّبع أخبار النّاس والتجسّس عليهم محرّم، فقد صحَّ عند الترمذي من حديث أبي برزة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صعد المنبر فنادى فقال: “يا معشر مَن قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه مَن تتبَّع عورة أخيه المسلم، تتبّع الله عورته، ومَن تتبّع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله”، وها هو عليه الصّلاة والسّلام يخطب في النّاس محذّرًا: “إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا”. إنّ الشّرع يعلمنا أنه حتّى لو ثبت أنّ المتهم وقع في الجريمة فلا يجوز لأحد أن يشهر به، فنحن لسنا قضاة على الخليقة، فلنحفظ ألسنتنا، ولنعلم أنّ الله سيَسألنا لماذا اتّهمْتُم؟ ولماذا نشرتُم؟ احفظ لسانك، فإنّ القضية قضية دين، فحافِظ على دينك، وأبْقِ على حسناتك، واعلم أنّ كلامك سيدخل معك في قبرك، وستُحاسب عنه يوم حشرك، ورُبّ كلمة لا يلقي لها صاحبها بالاً تهوي به في النّار سبعين خريفًا. ولنتساءل: ما الّذي يدفع البعض إلى تتبّع الفضائح ونشرها؟ هناك أمور عدّة تدفع النّاس إلى تتبّع الفضائح، أهمّهما العداوة والانتقام من الشّخص المتهم، كأن يكون مخالفًا له في المذهب أو الميول الفكرية أو بسبب بعض الخلافات الشّخصية أو قصده من وراء ذلك الشّماتة والسّخرية أو بحُبّ الفضول والاستطلاع ومجالس القيل والقال. إنّ أهل العلم يفرّقون بين العاصي المستتر والعاصي المجاهر، أمّا العاصي المستتر بذنبه، فإنّه لا يفضح ولا يشهر به، بل يستر عليه ويسعى في توبته وإصلاحه، وأمّا العاصي المجاهر بالمعصية أو الّذي ينشر الفساد بين النّاس، فليس من المصلحة التستّر عليه وقد فضح نفسه، بل المصلحة في التّحذير منه علنًا، ولا يعدّ هذا من الغيبة، لأنّه من باب التّحذير من المجاهر، كما قال الحسن البصري: أترغبون عن ذِكر الفاجر؟ اذكروا بما فيه يَحذَرُه النّاس. وما الواجب على المسلم عند سماعه مثل هذه الإشاعات والأخبار؟ لو تلقّيت خبرًا سيّئًا عن شخص معيّن من إنسان أو من جريدة أو مجلة أو إذاعة أو تلفاز، أو غيرها من الوسائل، فالواجب عليك أن تُحْسِنَ الظنّ بأخيك المسلم: {لَوْلاَ إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا}، وعليك بالتبيُّن والتروي والتثبّت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وعلى المسلم الحصيف ألاّ يتحدّث بكلّ ما سمع: “كفى بالمرء كذِبًا أن يحدث بكلّ ما سمع”، “بئس مطيّة الرّجل زعموا”. يُروَى أنّ رجلاً من أهل الشام كان يفد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر، فقال: ما فعل فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشّراب -يعني الخمر- فدعَا عمر كاتبه، فقال: اكْتُب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أمّا بعد، فإنّي أحمد الله الّذي لا إله إلاّ هو: {غَافِر الذَّنْبِ وَقَابِل التَّوْبِ شَدِيد الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير}، ثمّ قال لأصحابه: ادْعُوا الله لأخيكم أن يُقبِل بقلبه ويتوب عليه، فلمّا بلغ الرجل كتاب عمر، جعل يقرؤه ويردّده، ويقول: {غَافِر الذَّنْبِ وَقَابِل التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}، قد حذّرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يردّدها باكيًا تائبًا، فلمّا بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصْنَعُوا، إذا رأيتُم أخاكم زَلّ زلّة فسَدِّدوه ووَفِّقوه، وادْعُوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشّيطان عليه.