ستستنجد الحكومة وفقا لمخطط عملها الجديد بأموال السوق الموازية والخواص، لضمان تجاوز شح الموارد المالية والأزمة الناتجة عن تقلبات أسعار النفط، كما عمدت إلى إعادة استنساخ بدائل الاستدانة الداخلية وتفعيل البورصة التي ظلت راكدة لسنوات في مسعى بين محدوديته سابقا من خلال فشل القرض السندي والالتزام الضريبي في استقطاب رساميل الخواص والسوق الموازية، فما الذي ستضيفه حكومة تبون فيما فشلت فيه حكومة سلال سابقا في هذا المجال. وفقا لمخطط الحكومة الجديد، فإنها ستضطر إلى مراجعة قانون القرض والنقد بداية وقوانين وتشريعات أخرى متصلة بالبورصة والسوق المالية للتكيّف مع المستجدات والسياسات التي يراد تطبيقها، بداية بإصدار السندات السيادية للتمويل من النوع التساهمي وسندات دون فائدة. وسيتم اعتماد تمويل مطابق للشريعة الإسلامية، من خلال إعداد إطار قانوني خاص بالسندات السيادية للتمويل من النوع التساهمي. ويضمن هذا التمويل هوامش ربح من خلال حيازة أسهم في المشاريع العمومية بدل اعتماد نسب فوائد بنكية لتحقيق مردودية الأموال الموظفة في إطار هذا النوع من السندات. وتسعى الحكومة من خلال مخططها المصادق عليه في مجلس الوزراء الأربعاء الماضي، إلى البحث عن كيفيات تحفيز أصحاب الأموال النائمة الرافضين التعامل مع النظام المالي التقليدي الذي يوظف رؤوس الأموال مقابل نسب فوائد. فيصعب جلب هذه الأموال من خلال عرض سندات سيادية بنسب فوائد معدومة في ظل ارتفاع المؤشر العام للأسعار سنويا (نسبة التضخم) الذي يضعف القدرة الشرائية للأموال الموظفة دون مردودية. وعلى هذا الأساس، وجب إعداد إطار قانوني يضمن إنجاح العملية كتأسيس صندوق استثمار جديد يتكفل بالعملية أو منح هذه الصلاحية للصندوق الوطني للاستثمار. ويأتي طرح سندات دون فوائد، لتجاوز الإشكاليات المرتبطة بالأرباح الربوية، حيث تعتبر السلطات العمومية أن مثل هذه السندات يمكن أن تستقطب مدخرين جدد، لا يميلون للاكتتاب في مجال السندات بفائدة، لكن السلطات تعي أن مجرد إطلاق سندات دون فائدة لا يشكل في حد ذاته عاملا محفزا، وهو ما جعلها تسعى إلى تنويع العرض، من خلال الطابع التساهمي، أي أن تلك السندات تتيح للمدخرين بأن يتحولوا إلى شركاء في مشاريع كبيرة وهامة وغالبا ما تكون بضمانات، وبالتالي تسعى الحكومة من خلال هذه الآلية إلى تخفيف الأعباء عليها وتقاسمها، فضلا عن ضمان توفر موارد مالية إضافية في فترة شح الموارد المالية، حيث يتوقع ألا تتعدى إيرادات الجزائر هذه السنة 35 مليار دولار مقابل عجز في ميزان المدفوعات في حدود 25 إلى 26 مليار دولار. في نفس السياق، أقرت الحكومة إجراء آخر يتعلق بإيجاد سندات جديدة في البورصة والإسراع في عملية إدخال شركات تابعة للقطاع المالي إلى البورصة في محاولة لإنعاش البورصة التي ظلت لسنوات جامدة تقريبا ومحدودة، مع عدد قليل من الشركات التي يتم تداول أسهمها، فبورصة الجزائر تضم خمسة أوراق مالية فقط بعد عشرين سنة من نشاطها ولا تتجاوز رسملة البورصة في الجزائر 45 مليار دج أو ما يعادل نحو 510 مليون دولار، وهي قيمة متواضعة مقارنة بالأسواق المالية لدول الجوار. وشكلت آخر عملية طرح جزء من حصص شركة عمومية وهي مؤسسة الإسمنت عين الكبيرة مؤشرا على صعوبة توفير موارد مالية في السوق المالي، فالمؤسسة العمومية سعت لفتح رأسمالها ب 35 في المائة وطرح 11,846 مليون سهم بقيمة 18,95 مليار دينار، إلا أن عملية الاكتتاب لم تتجاوز 5 في المائة، خاصة بعد تجنيد سيولة كبيرة لدى القطاع العام وقطاع الدولة في القرض السندي الذي لم يجند مع ذلك سوى 568 مليار دينار أو ما يعادل 5,21 مليار دولار، بمساهمة البنوك والتأمينات ومنظمات أرباب العمل والنقابات، بينما قدّر العجز في الميزانية بنحو 30 مليار دولار. ونفس الأمر ينطبق على مساعي الحكومة استقطاب الرساميل من السوق الموازية، حيث بينت تجربة الالتزام الضريبي الذي تقرر تمديده لسنة أخرى والذي كان يرجى منه استرجاع جزء من الأموال في الدوائر غير الرسمية دون قيود مقابل اقتطاع نسبة من هذه الأموال ب 7 في المائة، محدودية الأثر في ظل فقدان الثقة في المنظومة المصرفية والبنكية، بدليل إحصاء نحو 500 ملف في ظرف سنة من الإجراء بمقابل يقارب 50 مليار دينار، بينما كانت تقديرات السلطات العمومية بإحصاء 1300 مليار دينار متداول في الدوائر غير الرسمية والموازية. وسواء تعلق الأمر بالسندات دون فوائد أو السندات السيادية التساهمية، فإن الإشكال الذي سيطرح في مستوى ودرجة التحفيزات المقدمة، باستثناء تجاوز عقبة الفائدة، ونفس الأمر بالنسبة لفتح شبابيك في البنوك العمومية لما أسمته الحكومة ب "المالية التشاركية" وهي في الواقع التعاملات اللاربوية أي دون فائدة، وهذه التعاملات متاحة وموجودة على مستوى بعض البنوك الخاصة والمختلطة على غرار بنك البركة وبنك السلام في الجزائر، فما الذي ستضيفه البنوك العمومية في هذا المجال، في وقت تعاني فيه المنظومة البنكية من تأخر كبير في مجال التسيير واعتماد أنظمة إعلام متطورة ومركزية في التسيير.