جعل الله سبحانه وتعالى دار الدّنيا ميدان عمل وتنافس، كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} الملك:2. وقال سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة:105. وإنّ من صفات عباد الله المُفلحين أنّهم يُداوِمون على فعل الخير والعمل الصّالح، ويجتهدون في ذلك أشدّ الاجتهاد، قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الحجّ:77، وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} القصص:67. ولقد حدّد الله عزّ وجلّ الهدف من إيجادنا في هذه الدّار بأن نقوم بعبادة الله تعالى وطاعته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} الذاريات:56، فمن قام بما وجب عليه هنا وجدَّ واجتهد وأتعب نفسه في طاعة الله تعالى استراح هناك مع المُنَعمين المكرمين في جنّة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} القارعة:6-7. وقال عزّ وجلّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا. وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} الانشقاق:7-9. وقال سبحانه: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} المؤمنون:102. وعلى الجانب الآخر تجد مَن فرَّط هنا وأعرض عن طاعة مولاه نادمًا هناك حيث لا ينفع النّدم: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا. وَيَصْلَى سَعِيرًا} الانشقاق:10-12. وقال تعال: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} الحاقة:25-29. بادر قبل النّدم وحتّى لا يندم العبد هناك، فقد دعاه الله عزّ وجلّ لليقظة هنا واستثمار عمره ووقته وأنفاسه فيما يُقَرِّبه من رضوان ربّه سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الزمر:53-58. وقد حذّرنا الله عزّ وجلّ فجأة الموت والانتقال إلى الدار الآخرة في ظلّ لهو وغفلة مستحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المنافقون:9-11. احرص على الخير ولا تُفرِّط لقد سمع سيّدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي يقول فيه: ”مَن تبع جنازة فله قيراط من الأجر” فقال عبد الله رضي الله عنه: لقد فرّطنا في قراريط كثيرة. وما ذاك إلاّ لحرصه رضي الله عنه على الخير. أبواب العمل الصّالح فلا بدّ أن يطرق المسلم أبواب العمل الصّالح، ويؤثر مرضاة الله عزّ وجلّ في كلّ وقت، فيكون له حظّ من الصّلاة، فيجتهد في إيقاعها على أكمل الوجوه، ويبادر إليها في أوّل الوقت، ويجتهد ألاّ تفوته مع الجماعة.