إنّ العلم ضرورة من ضرورات الحياة وهو الركيزة الأساسية لأيّ تطور ونماء اجتماعي واقتصادي وهو الجسر الوحيد ووسيلة العبور للمستقبل الزاهر المشرق ولبناء الأمم والحضارات، وهو جذوة تشعلها النخبة المبدعة لتُضيء الآخرين، ومنارة تستهدي بها الأجيال والأجيال المتعاقبة.. إن الإبداع والابتكار والتجديد عناصر أساسيّة لتطوير الحياة. إنّ العلماء المخترعين هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، فبالعلم تُبنَى الأمم وتتقدم، ويقضى على التخلف والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمراض الّتي تؤخّر الأمّة، فهو من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب وغيرها. وإنّ الحضارة لا قيام لها إلّا بالعلم، وقيادة العالم لا تكون إلّا بالعلم، والمسلمون عندما كانوا يهتمون بالعلم وطلبه كانت لهم الريادة والقيادة كما أرادها الله، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ}، والدول المتقدمة ما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم إلّا من خلال اهتمامها بالعلم والمبدعين والمخترعين واعتبارهم مفتاح التقدم. فالحضارة لا تُبنى بالكسل والجهل والأمية وإنّما تُبنَى بالعلم والعمل.. ولذا فمن الواجب علينا أن ننهض بما نهض به أوائلنا، من الأخذ بسبيل العلم والاهتمام به، فالعلم سبيل العز والرفعة والكرامة. وضرورة تشجيع المبدعين ونشر إنجازاتهم في وسائل الإعلام المختلفة، وتكريم جهودهم، وتقديمهم للمجتمع وذلك للاستفادة منهم كمجموعات واعية للمشاركة في قيادة العمليات الإبداعية من خلال أفكارهم النيّرة. فالإبداع هو العملية الّتي تؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة، تكون مفيدة ومقبولة اجتماعيًا عند التنفيذ، وهو مزيج من الخيال العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة، أو لإيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله. والإبداع هو مصنع لكلّ فكرة جديدة علمية مفيدة، يتم تقديمها للمجتمع، بحيث تكون خارجة عن المألوف. ويظن بعض الناس أن الإنسان يُولد مبدعًا والحقيقة أن كلّ إنسان يستطيع أن يبدع ويبتكر ويخترع إلّا من لا يرغب في ذلك. فهو (أي الإنسان) يتأثر تأثرًا كبيرًا بالبيئة المحيطة الّتي حوله. والإبداع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبشر. فمتى ما وُجد إبداع وجد بشر، ومتى ما وُجد بشر وُجد إبداع. لكن الملاحظ في مجتمعاتنا أنّها لا زالت تقلّل من شأن واحترام المبدعين والمخترعين، رغم أن ذلك يعتبر ركيزة رئيسة في نمو البلاد وتطورها كما سبق بيانه، فممّا قتل الإبداع في بلادنا العربية والإسلامية وأعاق العملية الإبداعية كثرة إجراءاتها البيروقراطية. إلى جانب عدم وجود مساهمات واضحة في التعليم العام وفي الجامعات توضّح الخطوط العريضة الّتي من شأنها إرشاد المبدع إلى الطريق الصحيح، وكذلك عدم وضوح الخطط والبرامج العامة والمتعلقة بالإبداع لدى الجهات المعنية بالإبداع والمبدعين (كالمؤسسات والمراكز الرسمية المعنية بالإبداع هذا إن وجدت أصلًا..). وإنّ غالب المجتمعات العربية والإسلامية لا تتحقق معها المعادلة العلمية المعينة على الإبداع العلمي ومن ثمّ الاختراع، بل تضع الباحث العلمي في مناخ احتياجي ومعيشي يصرفه عن أولوياته العلمية. وأنّ غالب المؤسسات المعنية بالاختراع في البلدان الإسلامية بشهادة المخترعين لا نجد لها بصمة عملية في تطبيق الاختراعات، وهي مدفوعة بذلك إما بضعف الاعتمادات المالية أو البيروقراطيات الوظيفية التي لا تتناسب مع الإيقاعات العلمية. كما لا توجد في العالم الإسلامي كأمّة مؤسسة إسلامية معنية بالمخترعين واختراعات المسلمين، يتوافر بها حصر شامل لاختراعات عقول المسلمين ووضعها قيد الاختبار والتطبيق العملي، وإن وجدت فإنه من الممكن بإذن الله أن تتحقّق من خلالها نهضة علمية بناءً على رؤية ابتكارات واختراعات المبدعين والمخترعين المسلمين للنّور. وممّا يلاحظ أنّ المجتمعات الغربية على سبيل المثال، تعنى بهذا الأمر كثيرًا، وقد حسمته منذ وقت مبكر لصالح اكتشاف ورعاية الموهوبين والموهوبات. إذ زرعت في الذهنية الاجتماعية العامة مفهوم وجوب احترام المبدعين والمخترعين ووفرت لهم كلّ السبل من أجل المضي قُدمًا في اكتشافاتهم وإنجازاتهم. ولقد حظي الإبداع بدراسات كثيرة في النصف الثاني من القرن العشرين، فهَو في أرفع مستوياته، من أهم الصفات الإنسانية الّتي تغيّر التاريخ، فالمجتمع لا يمكن تغييره تغييرًا نوعيًا عبر التخطيط، بل عبر أعمال المبدعين. حيث يشير كونانت (1964) إلى أهمية المبدعين فيقول ”إن عالمًا واحدًا من المرتبة الأولى (أي من المبدعين) لا يعوّضه عشرة رجال من الدرجة الثانية في العلوم. إنه لعديم الجدوى أن يسند إلى رجل من الفئة الثانية مهمّة حلّ مشكلة من المستوى الأوّل”. وحتّى نلحق بركب تلك الدول الّتي تطوّرت وتقدّمت في مجالات الحضارة المختلفة، ولمحاولة تجاوز تلك الأزمة فإنه يمكن وضع بعض آليات لرعاية المخترع المبدع، والاختراع الناتج عن إبداعاته في ضرورة الاهتمام والتعريف الدائم وبشكل موسع بالإبداع وتشجيعه، والعمل على توفير البيئة المناسبة له في جميع المراحل التعليمية المختلفة، إلى جانب إيجاد المناخ الإبداعي المناسب الّذي يحفّز الإنسان بجميع مراحله العمرية على الجوانب الإبداعية، وكذا احتضان المبدعين الصغار ورعايتهم والاهتمام بهم منذ بزوغ علامات الإبداع عليهم، مع متابعة التطورات والمستجدات الإبداعية بشكل دوري، ومشاركة المجتمع المحلي في المحافل العالمية، للاطلاع، ومن ثم إطلاع الآخرين على تلك المستجدات، والعمل على تحسين وتنظيم أساليب العمل في المؤسسات والمراكز المعنية بالإبداع في المجتمع بما يخدم المسيرة الإبداعية. ويجب على الأسر بثّ ثقافة الاختراع والإبداع بين الأبناء الصغار، وذلك بتشجيع الأبناء على التفكر والتأمل واستنباط النتائج والتفسيرات للظواهر والشواهد، مع التهيئة النفسية للأبناء لأن يكونوا مبتكرين ومبدعين، كما يجب على دولنا العربية والإسلامية المحافظة على مبدعيها وضرورة توفير كلّ سبل الراحة والجو العلمي حتى لا يضطروا للهجرة إلى بلاد الغرب تستفيد من جهودهم وأعمالهم.