عادت البنوك الوطنية لتسجل مرة أخرى مستويات قياسية من المستحقات غير مضمونة الدفع، التي منحت على شكل قروض طائلة لمستثمرين وطنيين، أغلبهم من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق، لتتكرر الجريمة الاقتصادية نفسها التي وقعت مع تجارب سابقة تسببت في ضياع الملايير من أموال الخزينة التي كانت تضخ دوريا لتمويل هذه الشركات تحت شعار بعث القطاع الاقتصادي الخاص. وجاءت الأرقام التي كشف عنها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في لقائه مع الولاة يوم الأحد الماضي، عن أرقام مفزعة للديون البنكية لبعض المستثمرين غير المسددة والمقدرة إلى غاية جانفي ب1216 مليار دينار، أي ما يعادل 10 ملايير دولار. ويبقى السؤال مطروحا عن الآليات التي ستلجأ إليها حكومة الوزير الأول، عبد العزيز جراد، لضمان استرداد هذه الأموال التي مولت مشاريع كبرى لشركات خاصة زج بملاكها في السجن وأغلق عدد كبير منها أبوابه، ليسرح بعد ذلك عمالها. وأكد الخبير الاقتصادي، حميد علوان، في تصريح ل"الخبر"، أن استرداد أموال القروض البنكية بالطريقة الاقتصادية مستحيل، بحكم أن أغلبها منح بضمانات غير مؤسسة تحول دون تعويض هذه الديون على المدى القصير والمتوسط، لاسيما في ظل الوضع المالي المتأزم الذي تعاني منه الشركات المقترضة من البنوك الوطنية. وحسب حميد علوان فإن القروض الطائلة التي لم تسدد إلى غاية الآن وجهت بالنسبة للجزء الأكبر منها لتمويل مشاريع مضخمة وفي بعض الأحيان "وهمية"، ما يجعل استردادها "صعبا"، خاصة أنها منحت لشركات خاصة هي الآن مفلسة أو أخرى عمومية لاتزال خزينة الدولة تضخ فيها أموالا طائلة دون أي مقابل إنتاجي أو استثماري. وأكد الخبير ذاته أن الإصلاح البنكي الذي أعلنته الحكومات المتعاقبة لم ينجح بسبب اعتماده على الأسواق غير الرسمية في تمويل المشاريع، مشيرا إلى أن البحث عن خلق قيمة مضافة جديدة يحتاج إلى الأسواق المالية وشفافيتها في تسيير الأموال العمومية. وانتقد علوان أداء البنك المركزي طيلة السنوات الماضية، باعتباره هيئة مستقلة تسهر على إعداد السياسات النقدية الكفيلة بالحفاظ على أموال الخزينة العمومية. وفي الأخير، أكد المتحدث أنه لا مخرج آخر لإعادة بعث الاقتصاد الوطني من غير التوجه إلى الاستدانة الخارجية، بعد أن فشل مسار الاستدانة الداخلية من خلال اللجوء إلى سياسة التمويل غير التقليدي التي تسببت في تفاقم عجز الميزانية إلى حوالي 13 مليار دولار وتهاوي احتياطيات الصرف إلى 60 مليار دولار.