في حوار خص به ''الخبر''، اعتبر د.وفيق مصطفى، عضو حزب المحافظين البريطاني أن ما تعيشه المملكة المتحدة بسبب وباء كورونا لم تشهد مثله في الحروب العالمية، مستدركا أن البلاد تمكنت من حصر الوباء، وأمامها فرصة لتنفس الصعداء خلال أسبوعين. بداية كيف يعيش البريطانيون حياتهم اليومية مع تصدر البلاد قائمة الدول الأكثر تضررا من جائحة كورونا أوروبيا؟ * الحياة في بريطانيا مع كوفيد19، مغلقة إلى حد كبير فالناس يجلسون في بيوتهم، ويبتعدون عن بعضهم في الأماكن العامة، الأمور مقيدة إلى حد كبير في مجتمع حر مثل بريطانيا، والحقيقة أن الوباء عطل حركة الإنتاج وفي نفس الوقت جعل الشعب غير قادر على الخروج وهو المتعود على السفر والحركة بشكل متواصل، والحكومة تعمل الآن على تقليل القيود المفروضة لمواجهة الوباء بطريقة تدريجية، ولكنها تتحسس طريقة رفع العزل مخافة عودة انتشار الوباء من جديد لان المعلومات المتاحة ليست كاملة، وتحاول الحكومة البريطانية أن تتعلم دروسا من الفيروس وتأخذ نصائح علمية، وهي نصائح قد تتغير من وقت لأخر لان معلوماتنا عن المرض تتغير بشكل دوري، في ظل غياب تطعيم ضده، وتتبع البلاد معادلة ''ار فاكتور'' التي تدرس انتشار الفيروس بطريقة علمية، ولا تزال بريطانيا تسجل فيها معدلا واحدا بالتقريب هو حد خطير إلى درجة ما، فيجب أن نقترب من معدل الصفر حتى تتحرك عجلة الإنتاج مرة أخرى وترفع القيود المفروضة بشكل امن.
هناك حديث عن إصابة ثلث الطاقم الطبي في بريطانيا ب''كوفيد19''، بصفتك طبيبا كيف تفسر ذلك؟ و كيف تقيم مستوى النظام الصحي للمملكة خاصة في ظل بروز تقارير تشير إلى نقص المستلزمات الصحية هناك؟ * · الحكومة البريطانية تصرف حوالي 120 مليار جنيه إسترليني في العام على القطاع الطبي في واحدة من اكبر ميزانيات الصحة عالميا إذا ما احتسبنا عدد سكان البلاد، بالإضافة إلى حوالي 15 مليار جنيه إضافية ضختها الحكومة مع بداية الجائحة، ما يعني أن الميزانية أصبحت حوالي 140 مليار جنيه إسترليني، والنظام الصحي هنا قديم جدا وله الاستعداد العالمي المعروف والموجود، وكما نعرف أن أجهزة التنفس الاصطناعي، زادت في بريطانيا ووصلت إلى عشرات الآلاف، جزء كبير منها لم يتم استغلاله في مواجهة أزمة كورونا. صحيح أن هناك نسبة كبيرة للإصابات في بعض الجهات الطبية، لكنها ليست منتشرة في كل المستشفيات، وإلا كانت تغلق كلها ولا يقتصر الأمر على مستشفى واحد فقط في بريطانيا، على سبيل المثال في المركز الصحي الذي أديره خضع 12 شخص لاختبار كورونا قبل أيام قليلة و كانت النتائج سلبية للجميع، وتوفي في الحقيقة حوالي 20 طبيبا في بريطانيا لكن العدد قليل نسبيا، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار الموظفات اللواتي يعملن في دور المسنين فهن الأكثر عرضة للمرض، وعموما عمال الصحة هم الأكثر عرضة للمرض مقارنة بغيرهم من القطاعات، وإذا كان هناك تخمين حول ما يسمى بمناعة القطيع، فاعتقد شخصيا أنها انتشرت كثيرا في بريطانيا، ولكننا لا نعرف مدى دقة هذه الاعتقادات، وليس لنا في الوقت الحالي أي تأكيدات علمية غير تلك المتعلقة بدرجة و كيفيات انتشار الفيروس. أما فيما يخص الانتقادات التي توجه للحكومة البريطانية بأنها لم تقم بما يلزم للاستعداد لمواجهة الوباء، مثل ألمانيا أو غيرها، هذا طبيعي لأنه في الدول الديمقراطية التي فيها معارضة قوية، تقوم الأخيرة دائما بانتقاد الحكومة وهذا حقها وواجبها حتى تضع الحكومة على قدميها في كل الأوقات، ونعلم أن اسكتلندا وويلز فيهما حكم محلي قوي، لكن اعتقد أن حكومة بوريس جونسون لا يمكنها أن تقدم أكثر مما فعلت لمواجهة الجائحة.
وبرأيك، كيف سيكون تأثير الجائحة على الأفكار السياسية لحزب المحافظين، خاصة مع بروز دور المبادئ الاشتراكية في مواجهة كورونا؟ * الحقيقة أن كورونا خلقت بما يسمى الحالة اليسارية في العالم كله، وكما نعلم أن رواتب الموظفين 80 بالمائة منها تدفعها الحكومة البريطانية ونفس الشيء تقوم به الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذا نحن نتكلم عن ترليونات الدولارات أو الجنيهات الإسترلينية، التي تدفع لتبقى حركة العمل كما هي ولا يحدث إضعاف للعمالة في بريطانيا، وهذا ليس عملا حزبيا بقدر ماهو عمل حكومة، لان الحكومة البريطانية رغم أنها من حزب المحافظين لكنها حكومة كل البريطانيين، وتواجه تحد كذلك من حزب العمال البريطاني خاصة بعد أن غير زعيمه، واعتقد أن الزعيم الحالي أقوى كثيرا من سابقه جيريمي كوربين، وحزب العمال فقد أربعة أو خمسة انتخابات عامة في بريطانيا ويحاول الآن أن يجمع نفسه للفوز بالانتخابات في المرحلة القادمة وهذا احتمال ضعيف. بالنسبة لخطوات الحكومة، هي تحركات أساسية لحماية الاقتصاد البريطاني، وهناك اعتقاد بحاجة الحكومة لتأميم بعض الشركات الضخمة و البنوك والمؤسسات لفترة مؤقتة حتى يتم تجاوز الأزمة الاقتصادية، وهناك من يرى في ذلك نوع الاشتراكية ولكنها ليست اشتراكية بقدر ماهي حفاظ على قوة الاقتصاد البريطاني، وذلك بان تكون الحكومة شريكة في إدارة بعض الشركات والبنوك الضخمة، وسبق وان تم تأميم البنوك وقبلها شركة السكة الحديدية، فإذا كانت الدولة تدفع المرتبات فمن حقها ان تكون جزءا من إدارة وإستراتيجية المؤسسات، والهدف من التأميم هو ان تكون للحكومة البريطانية دور داخلي في الحركة الاقتصادية المقلبة في بريطانيا، طبعا هو تحد كبير، فلأول مرة مند 300 سنة تتعرض البلاد لهذا الوضع الذي لم تشهده حتى في الحرب العالمية، وكان الخوف من أن يقتل فيروس كورونا أعدادا ضخمة مثل الأنفلونزا الاسبانية عام 1918-1919، لكن اعتقد أننا تمكننا من حصاره لان عدد إصاباته و وفياته قليلة مقارنة بما كنا نتصور، وأمامنا فرصة لان نتنفس الصعداء خلال أسبوعين.
يرى بعض المحللين ان جائحة كورونا ستعيد خارطة العالم اقتصاديا وسياسيا، كيف ترى هذا الطرح؟ * لاشك أن وباء كورونا سيخلق نظاما دوليا جديدا، لم يكن متوقعا قبل 6 أشهر، لكنه ترتب جراء كابوس ''كوفيد19'' الذي تتحمل الصين جزءا كبيرا من مسؤوليته، وسيكون امتدادا للنظام الذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، وبعدها سكوت الاتحاد السوفييتي، اعتقد انه سيكون هناك تقارب بين الولاياتالمتحدة وأوروبا و روسيا على حساب الصين، فموسكو ستقلل من طريقة الصدام السياسي في مناطق مختلفة عالميا على غرار سوريا، لان الاقتصاديات العالمية في مرحلة خطيرة جدا الآن وعليها أن تقف معا حتى تتجاوز الأزمة وإلا سيترتب عنها انخفاض في مستوى المعيشة، آما أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية اعتقد أن كل منهما ستنكمش على نفسها إلى حد ما، والتجارة مع الصين أيضا ستتأثر لان المواطن الأمريكي والأوروبي قد يعزف عن شراء المنتجات الصينية مؤقتا، حتى يتضح الوضع. ولكن بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط ستعرف اكبر تغيير في المنطقة مند حرب 1967،فسيكون هناك تقليل للاعتماد على الطاقة والبترول، وبالتالي قد تتأثر دول المنطقة بشدة، ولترتيب الاقتصاد العالمي ستكون هناك ضغوط على دول الخليج والدول البترولية خاصة، للمشاركة في إنعاش الاقتصاد الأوربي والأمريكي من خلال الفائض المادي، أتصور أيضا أن إسرائيل ستكون أقوى دولة في الشرق الأوسط، لان الدول العربية في حالة ضعف الآن، فدولة مثل مصر مثلا لم تتمكن من التحكم في أزمة كورونا ولم تكن شفافة في تعاملها مع الفيروس، كما أن حركة الطيران بين الشرق الأوسط وأوروبا ستتعطل لأشهر خلال العام الجاري ما سيسبب خنقا كبيرا لاقتصاديات الدول العربية على غرار مصر والسودان، ولا اعلم إلى أي درجة ستتأثر الجزائر لكن الأكيد أن الخسائر ستكون كبيرة للدول القريبة من قناة السويس على غرار السعودية وإيران. واعتقد أن أزمة كورونا قد تؤدي إلى نهاية بعض الدكتاتوريات خاصة في الشرق الأوسط كما يمكن أن تؤدي إلى تفتيت الدول العربية أكثر إذا لم يكن هناك خط سياسي واضح للمّ الشعوب لتستمر كدولة مؤسسات وليس دولة حكومات مركزية أمنية وبوليسية كما هو الآن.