رغم إصرار الحكومات المتعاقبة على استحالة العودة إلى العمل بالتقاعد المسبق دون شرط السن، وهو القرار الذي تبنته الحكومة الحالية بقيادة الوزير الأول، عبد العزيز جراد، إلا أنها لا تزال تقتطع مبالغ هامة من أجور الجزائريين تموّل بها صندوق التقاعد المسبق. وتبقى التساؤلات مطروحة عن وجهة الأموال الباهظة التي تضخ سنويا في صندوق التقاعد المسبق، رغم أن هذا الأخير تم إنشاؤه خصيصا لمرافقة العمال المحالين على التقاعد بسبب أزمات اقتصادية مالية تشهدها المؤسسات الوطنية، مثل الأزمة المالية غير المسبوقة التي خلّفها وباء كوفيد 19. وجاءت المبررات المقدّمة من طرف وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، الهاشمي جعبوب، الذي أكد أمام نواب البرلمان استحالة العودة للعمل بالتقاعد المسبق، لتظهر التناقضات التي تتخبط فيها الحكومة، حين قال إن اللجوء إلى هذه الصيغة من التقاعد سنة 1997 جاء لمجابهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي خلّفتها الإجراءات المفروضة آنذاك من طرف صندوق النقد الدولي والتي ترتّب عنها تسريح عدد كبير من العمال. وهو وضع مشابه لذلك الذي تعيشه الجزائر حاليا، وربما بحدة أكبر بعد إحالة عمال المئات من المؤسسات الاقتصادية المتضررة من جائحة كورونا، على البطالة دون السماح لهم بالاستفادة من التقاعد المسبق. وقدّر وزير العمل عدد المستفيدين من التقاعد النسبي إلى حد اليوم بأزيد من مليون عامل، ما أدى، حسبه، بالإخلال بالتوازنات المالية للصندوق وخلق عجز هيكلي بداية 2013، مشيرا إلى أنه تم لهذا الغرض "اللجوء إلى المساعدة من طرف مختلف صناديق الضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للاستثمار للتكفل بدفع معاشات المتقاعدين لتغطية العجز". تجدر الإشارة إلى أن استحداث التقاعد النسبي سنوات التسعينيات، جاء خصيصا لمجابهة الأزمات الاقتصادية التي تؤدي إلى تقليص عدد العمال بعد توقف الشركات عن النشاط. ولا يطبّق التقاعد المسبق إلا في القطاع الاقتصادي. كما لا يستفيد منه سوى العمال البالغين الخمسين سنة من الرجال وخمسة وأربعين سنة بالنسبة للنساء، مع أداء فترة عمل لا تقلّ عن 20 سنة ودفع اشتراكات لصندوق الضمان الاجتماعي لمدة عشر سنوات على الأقل بصفة كاملة وثلاث سنوات الأخيرة التي تسبق نهاية علاقة العمل. وحسب الأرقام التي تحصلت عليها "الخبر"، فإن الاشتراكات المقتطعة من أجور العمال والمؤسسات الاقتصادية الموجهة لصندوق التقاعد المسبقة والممثلة في نسبة 0,25 بالمائة من مجموع الاشتراكات المدفوعة من طرف المؤسسات الوطنية لصندوق الضمان الاجتماعي والمقدرة بمعدل 35 بالمائة، حيث تمثّل مبالغ سنوية معتبرة تصل إلى 15 مليار دينار سنويا، أي ما يعادل 1500 مليار سنتيم. ويتساءل الخبراء الاقتصاديون عن فحوى استمرار صندوق الضمان الاجتماعي في اقتطاع اشتراكات من أجور العمال لتمويل صندوق التقاعد المسبق، في ظل رفض الحكومة العمل بالتقاعد المسبق، وهو المعمول به بالنسبة للصناديق الأخرى مثل صندوق البطالة والتي أصبحت عائداتها جميعا توجّه لسد العجز المتفاقم لصندوق الضمان الاجتماعي طيلة السنوات الأخيرة نتيجة التسيير "الكارثي" للقطاع، يقول الخبراء، مما جعل المواطنين يدفعون، ككل مرة، فاتورة إخفاق الحكومات المتعاقبة في إرساء سياسة اقتصادية ناجعة. وأجمع الخبراء في تصريح ل"الخبر"، أن الظرف الاقتصادي والمالي الصعب الذي تمر به الجزائر بفعل أزمة كورونا يستدعي تفعيل صندوق التقاعد المسبق للسماح للآلاف من العمال المسرّحين من الاستفادة من هذه الصيغة للتقاعد، كما سيساهم هذا الإجراء، حسب نفس الخبراء، في التخفيف من العبء المالي الثقيل الذي يقع على عاتق الشركات الاقتصادية المهددة بالإفلاس والإغلاق.