تأملت جماهير الميلان خيرًا بوصول "مستر بي" ودخوله شريكًا في النادي، واشتعل طموحها بتصريحاته وسيلفيو بيرلسكوني حول رغبتهما في دعم الفريق بقوة وتجهيز ما يقرب من 150 مليون يورو لسوق الانتقالات الصيفي، لكن تلك الآمال تلقت ضربة قوية بفشل ضم الثنائي جاكسون مارتينيز وجيوفري كوندوبيا وانتقالهما لأتليتكو مدريد والإنتر على التوالي. ما يحدث الآن مع ميلان يذكرني بأحداث بداية الألفية، حين تراجع الفريق بقوة عقب الفوز باسكوديتو 1999، وبعد إقالة فاتح تريم تعاقد الفريق مع كارلو أنشيلوتي وبدأت الثورة بضم أسماء مثل فيليبو إنزاجي وروي كوستا وأليساندرو نيستا وكلارنس سيدورف وأندريا بيرلو وغيرهم من النجوم بما قد وصل قميته ل200 مليون يورو تقريبًا على مدار عامين … هذا الصيف يبدأ ميلان دورة حياة جديدة بعد غياب عن البطولات وتراجع في المستوى حتى الوصول للحضيض بالخروج من البطولات الأوروبية، والبداية كانت بالتعاقد مع سينيسا ميهالوفيتش ومن ثم محاولة ضم مارتينيز وكوندوبيا وزلاتان إبراهيموفيتش وماتس هوملز وأسماء أخرى، لكن الفشل هو عنوان تلك المفاوضات حتى الآن !! لماذا؟ أخطأ الميلان باعتقادي في استراتيجيته لإحداث التغيير المطلوب، لأنه إن كانت الاستراتيجية الجديدة هي بالتعاقد مع النجوم فورًا وبناء فريق قوي منهم فكان يجب البدء من المدرب والتعاقد مع اسم قوي في عالم التدريب، اسم له ثقله وإنجازاته وتأثيره على اللاعبين … اسم يستطيع إقناع النجوم بقوة وجدوى المشروع وإغرائهم بالعمل معه، وهذا حدث في مونت كارلو مع روبيرتو مانشيني ولم يحدث مع ميهالوفيتش الذي على الأرجح جُل نجوم الكرة الحاليين لا يعرفون عنه سوى أنه كان مسدد ممتاز للركلات الثابتة، لكن بالتأكيد لا يعرفون أي شيء عن مسيرته كمدرب .. لأنها مسيرة متواضعة لم تتخط فرق الوسط في إيطاليا ومنتخب صربيا !. قد يسأل أحدكم، وكيف اختلف الأمر عن أنشيلوتي الذي أيضًا لم يكن معروفًا أوروبيًا ولم يكن قد حقق أي إنجاز مهم ! الجواب أن الأمر مختلف في 3 نقاط محددة. الأولى أن أنشيلوتي كانت أفضل بوضوح من الصربي، فقد تألق مع بارما وحقق معه مسيرة مهمة قبل الانتقال لليوفنتوس والوصول معه لوصافة الكالتشيو مرتين. الثانية أن تحركات ميلان في السوق وقتها كانت داخل إيطاليا فيما يخص النجوم، وأنشيلوتي على مستوى الكالتشيو كان معروف للجميع. الثالثة وهي الأهم، أن وضع ميلان كان مختلفًا !! كيف؟ ميلان 2001 كان الفريق الحلم لجل لاعبي العالم الذين عاشوا طفولتهم ومراهقتهم الكروية على أمجاد ميلان الذهبي .. ميلان ساكي وكابيلو، اسم الفريق وقميصه كان ذو تأثير خطير وقوي جدًا على النجوم، لكن الوضع اختلف تمامًا الآن … فأولًا اللاعب الآن انتماءه الأول لراتبه وحقوق الصورة والرعاية وكل ما يتعلق بالجوانب المالية، ثانيًا أصبح هوس اللعب في دوري الأبطال أكبر كثيرًا وهو ما يعيق مفاوضات الروسونيريأن مع اللاعبين، وثالثًا وهو الأهم أن ميلان لم يعد الحلم ! بل اتجهت بوصلة اللاعبين تجاه برشلونة أولًا ومن ثم ريال مدريد وجوارديولا ومورينيو ! بجانب المال طبعًا. لذا فالعوامل التي كانت بيد أدريانو جالياني في بداية الألفية لم تعد معه اليوم، لم يعد معه اسم ميلان القوي وتأثيره المهم على اللاعبين، ولم يعد معه اسم المدرب القوي القادر على إقناع اللاعبين بالمشروع والفوز بثقتهم، وبالطبع لم يعد معه المال اللازم لتخطي العقبتين الأولى والثانية وإغراء النجوم كما يفعل باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي وزينيت سان بطرسبرج وغيرهم من أندية المال، فنحن نتحدث عن 150 مليون يورو في زمن وصل به سعر اللاعب النجم ل60-70 مليون يورو في المتوسط !!. تجربة ميلان الحالية أقرب كثيرًا لتجربة اليوفنتوس قبل سنوات، فالفريق تعاقد مع أنتونيو كونتي الاسم المغمور في عالم التدريب، مثلما فعل ميلان مع ميهالوفيتش، واليوفنتوس رُفض من نجوم الصف الأول ومن هم على أعتاب المستوى الأول ، مثلما حدث مع ميلان الآن. ماذا فعل يوفنتوس؟ انتقل للتركيز على نجوم الدوري الإيطالي والذين مهما تراجع اسم الفريق مازال ذو تأثيرًا قويًا عليهم، مثل ليختشتاينر وفوشينيتش وكوالياريلا، ومعهم اتجه للاعبي الصف الثاني والثالث في أوروبا مثل آرتورو فيدال، والاتجاه الثالث كان للمستقبل ويختص بمحاولة السيطرة على سوق المواهب في إيطاليا واصطياد المواهب الشابة في أوروبا، مثل جابياديني وزازا وبيراردي وبوجبا وكومان فيما بعد. ميلان عليه الاستفادة من تجربة السيدة العجوز، والقيام بالمثل .. لكن هناك مشكلة !! أدريانو جالياني !! رجل المفاوضات البارع جدًا وربما الأفضل في العالم، لكن ينقصه النظرة السليمة للمواهب وهذا ما أثبتته مسيرته الطويلة مع ميلان، ولذا هو بحاجة للمساعدة من أشخاص لديهم تلك النظرة الفنية للاعبين الشباب أو أنصاف النجوم … أشخاص مثل ليوناردو وبريدا وتشيزاري مالديني. للبدء من جديد، ميلان عليه تشكيل لجنة فنية تدير شبكة من كشافي المواهب في أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية بجانب دول ألمانيا وهولندا والبرتغال وبلجيكا وفرنسا … أشخاص لديهم القدرة على اختيار اللاعب المناسب للمشروع، والرهان عليه، ومن ثم ينتقل الملف لجالياني المختص بالمفاوضات. جالياني وحده لم يعد كافيًا لإدارة ملف الميركاتو في الميلان، هو بحاجة للمساعدة وهناك أسماء قادرة على تقديم الإضافة مثل روي كوستا وباولو مالديني وسيرجينيو وغيرهم. وهذا ليس تقليلًا من حجم الرجل أو قدراته، فالجميع يعلم من هو أدريانو جالياني ومدى قوته في السوق، لكن شيء من المساعدة سيكون بالتأكيد إضافة له وللمشروع بالكامل.