كرّمت جمعية «الكلمة» أول أمس بالمكتبة الوطنية، فارس القافية وأب أجيال الشعراء، الأستاذ أبو القاسم خمار عرفانا لما قدمه لوطنه ولثقافته التي حارب لأجلها عقودا طويلة. وعلى الرغم من التكريمات المهمة لهذه القامة الأدبية والوطنية، إلا أن هذا التكريم كان له وقع خاص بحميميته وتلقائيته وكذا بالحضور المكثّف للأحباب ورفقاء الدرب، وكان اللقاء أيضا مناسبة للإعلان عن الفائزين بجائزة «لقبش للإبداع الشعري» في دورتها الثانية. نشّط اللقاء الأستاذ عبد المجيد غريب الذي وصف الأستاذ خمار ب«زينة الشباب» وأهداه مقاطع من قصيدة شعبية يقول مطلعها «قمر الليل خواطري تتونس بيه»، مذكّرا أن علاقته بخمار تمتد إلى 32 سنة خلت، ليتقدّم بعدها بعض الحاضرين ليدلوا بشهاداتهم عن الرجل، وكان أوّلهم الأستاذ سليمان بخليلي الذي حيا بداية جمعية «الكلمة» التي تنشط في ساحة ثقافية راكدة. وأبدى بخليلي إعجابه بأستاذه وابن بلدته، الشاعر أبو القاسم خمار الذي قرأ له وهو لا يزال تلميذا من خلال «مذكرات النسيان» الشهرية عبر مجلة «ألوان» وكذا من خلال عائلته الكريمة والعريقة المعروفة بأسماء علمائها وبزواياها. ثم تحدث بخليلي عن ارتباطه ببرنامج «قصة ونغم» الإذاعي في السبعينيات الذي كانت تعده السيدة أمينة خمار، زوج الأستاذ خمار، ليستمر الارتباط بهذه العائلة. من جهته، اعتبر الشاعر والإعلامي إبراهيم صديقي، نفسه وأبناء جيله من الشعراء ثمرة إنتاج الأستاذ خمار على الرغم من أن هذا الجيل لم يقتد بخمار في تواضعه وسعة أخلاقه، وأبدى صديقي تأثّره لكتابة الأستاذ عنه وتشجيعه له. وتوالت الشهادات، منها شهادة الشاعر لخضر فلوس الذي قال «تربينا على شعره»، وكذا شهادة المبدع عبد الرزاق بوكبة الذي أكّد أنّه قرأ لخمار «حرف الضوء»، وهو طفل أثناء خلوة بالريف، مشيرا إلى أنّه حتى اليوم لم يسمع أحدا يشتكي من الأستاذ خمار أو يذمه، وهو دليل على رفعة أخلاقه وسمعته التي أصبحت في أيامنا عملة نادرة. تقدّم بعدها للمنصة السيد عبد العالي مزغيش، رئيس جمعية «الكلمة» للثقافة والإعلام للحديث عن الطبعة الثانية لهذه الجائزة التي فضلت لجنة تحكيمها المكوّنة من الأساتذة سليمان جوادي، لخضر فلوس، سعيد بن زرقة وإبراهيم صديقي أن تطلق عليها اسم الشاعر أبو القاسم خمار، لتصعد السيدة زهور ونيسي وتكرم خمار بتقديمها شهادة شرفية ولوحة فنية للرسام طاهر ومان وبورتري مرسوم. وبعد صورة تذكارية مع عائلته (زوجته السيدة أمينة وكنته وأبنائه أمين، لؤي ومؤنس)، ألقى المكرّم كلمته عبّر فيها عن سعادته الغامرة وهو شعور لم يحسّه منذ زمن طويل قائلا: «لا أخفيكم أنّني كبقية المثقفين في هذا الوطن قليلا ما أشعر بالفرح، فالمثقف والأديب يجد نفسه أحيانا حزينا متألّما... أشكر جمعية الكلمة لأنّه سبق لها وأن كرّمتني في بيتي من خلال حضور وفد أدبي أحيا معي ليلة ليلاء، كما كرّمتني بلادي عبر مختلف الولايات وكرّمني وطني العربي وسلّمني اتحاد الكتاب العرب درعه بالعاصمة دمشق». وحرص الأستاذ محمد الصالح حرز الله، رئيس «مؤسسة محمد العيد آل خليفة» على التذكير بمواقف خمار خاصة في العشرية السوداء الذي ضرب فيها الإرهاب بدون شفقة وطننا العزيز، فرغم هذه الظروف التي كان فيها دم المثقف مستباحا، إلاّ أنّ خمار كان دائم الحضور بمقر اتّحاد الكتّاب وحضر كل جلسات الحوار مع السلطة قصد الخروج من الأزمة، ثم شارك في الندوة الوطنية التي انبثق عنها المجلس الوطني الانتقالي. للإشارة، تمّ بالمناسبة تقديم عرض مصور لنشاطات جمعية «الكلمة» خلال سنتين من العمل، فرغم إمكانياتها المتواضعة، إلاّ أنها حركت قدر المستطاع المشهد واستضافت وزارت الكثير من صناع الثقافة في الجزائر، لتبدأ مراسم تكريم الفائزين بإعلان اسم الفائز الأوّل وهو الشاعر علي مغازي الذي توّج بعمله «الجنوبي» وقرأ بالمناسبة نصا شعريا كتبه في بداية التسعينيات يقول مطلعها «أوراق الحب في الشفاه، ذاب سكر الشاي والتهبنا التهابا». الجائزة الثانية تحصل عليها مصعب تقي الدين بن عمار من قسنطينة عن «النار بين أصابعي»، وقد قرأ «ستمطر هذا المساء»، وتحصل على الجائزة الثالثة، مروان سهيلي المحامي الشاعر ب«أغاني الفراش». وأشار عضو لجنة التحكيم الشاعر لخضر فلوس إلى أنه تم تسجيل 31 مشاركة في الشعر العمودي والفصيح والحر والنثر.. وكلّها ذات عمق وإيقاع وخيال ولغة شعرية. وقد نوهت اللجنة بثمانية أعمال أخرى. وعلى هامش التكريم، تحدّثت «المساء» مع الشاعر الأستاذ خمار الذي أكّد تمسّكه بالشعر السياسي الوطني العروبي، وكذا حرصه الدائم على التغني بالجزائر في كل أشعاره، إذ أشار إلى أنه أفرد لوطنه أغلى وأغلب قصائده التي عاشها منذ كان مناضلا في حزب الشعب ومنذ أن كان يعيش على أرض الشام، وعبّر عن فخره بتكريم الجزائر له عبر مختلف المناطق والولايات. كما التقت «المساء» المتوّج بالجائزة الثالثة الشاعر مروان سهيلي من برج بوعريريج الذي أشار إلى أنه شارك بمجموعته الشعرية التي لا تزال مخطوطا يبحث لها عن ناشر وهي بعنوان «أغاني الفراش»، مؤكّدا أنّه سبق وفاز بالعديد من الجوائز منها الجائزة الأولى لعلي معاشي برعاية رئيس الجمهورية، أما بالنسبة للمتوّج الثاني، وهو مصعب من قسنطينة، فأشار إلى أنّه قدم مجموعته الشعرية «النار بين أصابعي»، وهي حديث عن الذات والحب والوطن، مؤكّدا أنه سبق له أن فاز بعدة جوائز وطنية ودولية، منها جائزة الملتقى العربي لشعر الحرية بتونس. للتذكير فإنّ الجائزة تنظّم بدعم ورعاية الشاعر عياش يحياوي.