سلط المشاركون في الملتقى الوطني حول "المقاومة الوطنية والثورة التحريرية وبعدها الإفريقي"، المنظم منذ أمس بتمنراست، الضوء على الدور الكبير الذي لعبته منطقة الجنوب في الكفاح المسلح من أجل استقلال الجزائر سواء من خلال المقاومة الشعبية أو إبان الثورة التحريرية المجيدة، وأبرزوا دور جبهة الجنوب التي قادها المجاهد عبد العزيز بوتفليقة في فك الخناق عن الثورة في باقي مناطق البلاد، وكسب الدعم لها من الدول الأفريقية التي ساعدتها عبر مدها بالسلاح. وذكر وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، الذي أشرف رفقة والي تمنراست، محمود جامع، على افتتاح هذا اللقاء يدوم يومين ويندرج في إطار الاحتفال بالذكرى ال60 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، بأن المنطقة الجنوبية كانت في قلب الثورة التحريرية، برفضها للاستعمار الفرنسي وإفشالها لمخططاته، "بل وبتغذية النضال الثوري بفكر الكفاح المسلح الذي خاضته المقاومة الشعبية بالجنوب الجزائري قبل تفجير الثورة في أول نوفمبر 1954". وأشار السيد زيتوني أمام الحضور بدار الثقافة لتمنراست والمشكل من سلطات محلية وسياسيين وأسرة ثورية وأساتذة باحثين في تاريخ الجزائر، إلى أن المنطقة الجنوبية تمكنت من كشف مخططات المستعمر الفرنسي ونواياه المبيتة التي كانت ترمي إلى تقسيم الجزائر، وسلخ الصحراء عنها، مبرزا الدور الكبير الذي أداه المجاهد عبد العزيز بوتفليقة بقيادته للجبهة الجنوبية، "والتي صنع منها ملاحم التحرر بالأمس ويواصل مسيرة بناء الجزائر وفاء لرسالة نوفمبر ورسالة رفاقه المجاهدين الاحرارا.. ومكن البلاد من المصالحة الوطنية والاستقرار ومن التنمية الشاملة وأعاد للجزائر هيبتها في محفل الأمم..". وعاد السيد زيتوني إلى التأكيد على أن عاصمة الأهقار تمنراست التي تعرف الرئيس بوتفليقة باسم "عبد القادر المالي"، شكلت قلعة للثوار ومنطقة للمقاومة الشعبية، حمت الثراث الثقافي والتاريخي في بعده الوطني العريق، مشيرا إلى أن القيم والمثل التي التزم بها سكان منطقة الاهقار وقيادتهم للمقاومة والثورة المباركة، تجعلهم اليوم متمسكين بقيم الدفاع عن الوطن، من خلال الاسهام في مسيرة البناء والتشييد وفاء للشهداء والمجاهدين. وإذ جدد حرص الحكومة التي تسهر على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على جعل كل منطقة من الجزائر عبرة للوفاء والإخلاص من خلال تنمية شاملة ومفيدة تجعل المواطن الجزائري في صلب الاهتمامات، حيا وزير المجاهدين جهود أفراد الجيش الوطني الشعبي وباقي أسلاك الأمن الساهرين على حماية التراب الوطني وحدوده، داعيا في سياق متصل جميع الجزائريين إلى الوقوف وقفة رجل واحد للدفاع عن الجزائر وحماية استقرارها وأمنها واقتصادها. كما دعا السيد زيتوني إلى جمع الطاقات وتحفيز الكفاءات للاستمرار في تقوية كل عناصر الهوية الوطنية، مؤكدا بأن كل قطاعات الدولة مجندة اليوم من أجل البناء والتشييد والقضاء على المشاكل الاجتماعية وترقية الاقتصاد الوطني. ولم يفوت الوزير الفرصة ليجدد رسالته الداعية إلى جعل كل الجزائريين يعيشون في رحاب مجد الثورة التحريرية المباركة إحياء للذاكرة الوطنية وصونها، وذكر بالمناسبة بأن قطاعه يسهر إلى جانب باقي القطاعات الحكومية على تجسيد البرنامج المسطر للاحتفال بالذكرى 60 لاندلاع الثورة التحريرية، مبرزا حرص قطاعه على جعل مؤسساته أداة من أدوات الصحوة التاريخية المساعدة على تعميق الوعي الوطني وترقية روح المواطنة. من جهته، أبرز المجاهد محمود قمامة عضو جيش التحرير الوطني ما كان لانتصارات المقاومة الشعبية بقيادة الشيخ بوعمامة من أثر كبير في تعاطف اهل الاهقار مع المقاومة الشعبية، والوقوف إلى جانبها واستشهد ببعض المعارك التي ترجمت التفاف سكان الجنوب مع هذه المقاومة الوطنية، كما ذكر في نفس السياق بتنظيم أمغي اق سيدي محمد اق قمامة لمقاومة شعبية في 1916 والتي عرفت عند اهل الهقار ب«أوتاي واتلفغ تيتوق"، مشيرا في هذا الصدد إلى انه "في مطلع 1917 هاجم المجاهدون فرقة فرنسية يقودها الملازم كوستون واستطاعو قتل جميع افرادها، وتتالت المعارك في نفس السنة، حتى أرسل امغي اق سيدي محمد أبه اق غبلي اخ امومن اق غبلي في 1917 على رأس ازيد من 100 مقاتل إلى معركة ايلمان، حيث قتلوا ازيد من 12 جنديا فرنسيا". وتطرق عضو المجلس الشعبي الوطني إلى معركتي "اين ايكر" و«تنغ اكلي" واعتبر كل المعارك والمقاومات التي تمت بالمنطقة، إرثا تاريخيا لكل أبناء الجزائر، ملاحظا بأسف عدم تدوينها في كتب تاريخية وعدم تدريسها في دروس التاريخ، كما تأسف قمامة لعدم إحصاء شهداء الجزائر الذين شاركوا في المقاومات الشعبية وكتابة أسمائهم لتعرفها الأجيال. كما أبرز دور مجاهدي منطقة الاهقار في دعم عمل منسقي الثورة التحريرية، الذين شكلوا جبهة الجنوب بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (عبد القادر المالي) ومساعديه أحمد دراية، شريف مساعدية وعبد الله بلهوشات، مشيرا إلى أن هذه الجبهة عملت على خلق امتداد إفريقي للثورة من خلال إنشاء قواعد تدريب لجيش التحرير الجزائري بشمال مالي بكل من غاو، تمبكتو، بوريم، كيدال، إن تديني وتسليت، وكذا مراكز بتراب الوطن كمركزي ادرار وتاهارت بتمنراست. وختم المجاهد قمامة مداخلته بابراز ثمار الثورة التحريرية التي تجلت، حسبه، في الاستقلال وما تبعه من معارك البناء والتشييد التي تمت خلال ال52 عاما من الاستقلال، وإذ أشاد بالتطور الحاصل في مختلف مجالات الحياة في الجزائر والإنجازات التي تحققت في الجنوب الجزائري وخاصة بولاية تمنراست التي عرفت، حسبه، تنمية شاملة مست كافة القطاعات كالسكن والصحة والتعليم والموارد المائية والنقل وتكنولوجيات الاعلام والاتصال، ليوجه في الاخير وصاياه للشباب، داعيا إياهم إلى الحفاظ على مكتسبات الثورة التحريرية والدفاع عنها، والاسهام في كتابة الثورة والمقاومة المباركة لتتناقلها الأجيال. وفي مداخلته، تطرق الدكتور محمد لحسن زغيدي، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر "أبو القاسم سعد الله"، إلى موقع الصحراء الجزائرية في الاستراتيجية الاستعمارية للادارة الفرنسية بين سنة 1947 و1962، مشيرا إلى أطماع فرنسا الاستعمارية في الصحراء تنامت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتجلي الرغبة في الاستحواذ على الثروات الباطنية للصحراء لما لها من منافع اقتصادية، وكذا الرغبة في امتلاك السلاح النووي بعد أن شهد العالم في 1945 تفجير أول قنبلة نووية في العالم بهيروشيما، ليخلص بدوره إلى أن مقاومة سكان الجنوب وافشالهم لمخططات فرنسا الاستعمارية عمل على تقوية جيش التحرير الوطني، ومكنه من وضع تخطيط محكم عبر وزارة التسليح والاتصالات العامة التي بادرت إلى إنشاء الجبهة الجنوبية التي كلف "عبد القادر المالي" بقيادتها وعملت على كسب دعم الدول الافريقية للثورة التحريرية، بداية من مالي، غانا وغينيا. وتواصل اليوم الاول من أشغال الملتقى الوطني حول المقاومة الوطنية والثورة التحريرية وبعدها الافريقي" بعرض شهادات بعض المجاهدين حول محطات الكفاح المسلح التي سجلتها المنطقة، قبل تنظيم زيارة إلى بعض المعالم الأثرية والاماكن التاريخية التي كانت مسرحا لتلك المحطات، فيما قام وزير المجاهدين قبل ذلك بزيارة إلى مقبرة شهداء إحدى المقاومات الكبرى التي عرفتها منطقة الاهقار، وطاف بمعرض للوثائق والصور التاريخية التي تخلد التاريخ الثوري للمنطقة.