هي خريجة الجامعة الجزائرية تخصّص أدب عربي، صحفية بالتلفزيون الجزائري، وارتباطها بعالم الكتابة والقصة ليس وليد اللحظة، إذ بدأ عام 1996 مع اقتحامها عالم الصحافة المكتوبة مدرستها الأولى، أثرت الساحة بثلاث قصص قصيرة بالإضافة إلى كتاب للأطفال "الفراغ وحش ضار"، حائزة بفضل كتاباتها البسيطة الممتعة والهادفة على جائزة "علي معاشي" وهذا عن قصتيها "الحاجز الآخر" و"قبلة خطيرة" في 2007، وبعد سبع سنوات عجاف، قدّمت مؤخّرا بالصالون الدولي للكتاب، مولودها الجديد وهو عبارة عن قصة بوليسية عنونتها ب"نبضات آخر الليل"، تغوص أحداثها في عمق جريمة غامضة.. عن أسباب توقّفها عن الكتابة لسنوات.. وسرّ انتقالها من القصص الرومانسية للألغاز البوليسية، وعن صدى هذا المولود الفتي لدى قرائها، ورأيها في مستقبل الكتابة في مجالي القصة والرواية؟ وعن أمور أخرى جد هامة حدثتنا الكاتبة الصحفية نسيمة بولوفة. التعريف بنسيمة بولوفة الإنسانة والكاتبة وإن كان الإثنان لا يتجزأن؟ — أنا كاتبة تحفر قصصها بأظافرها على الصخر، رافضة الاستسلام للصمت والنسيان، بعد كتابتي للقصة القصيرة عندي مجموعتان قصصيتان وكتاب ثالث يخصّ الطفل، ولأجل حصولي على جائزة رئيس الجمهورية، قطعت الصحراء القاحلة لعدم وجود ناشر لي، غبت عن الوسط لمدة 7 سنوات، أحاول العودة لساحة الوغي بعد تحمّل عطشي كلّ هذه السنة من خلال نشري لرواية بوليسية "نبضات آخر الليل". قبل الغوص في الجديد لنعد قليلا إلى الوراء، حدّثينا عن مسارك في مهنة ظاهرها متعة وترفيه وباطنها مسؤولية وتعب، وكيف ساهمت الصحافة المكتوبة تحديدا في صقل موهبة الكاتبة نسيمة بولوفة؟ — بدأت عملي كمحرّرة في الصحافة المكتوبة التي تعتبر المدرسة الأولى لأيّ صحفي يسعى للنجاح والتألّق، والحقيقة لولاها لما تطوّرت واستطعت نشر كتاباتي وقصصي القصيرة.. عملت في بداياتي في صحف جزائرية متعدّدة وتركت بصمتي في العديد منها، وكانت دافعي للاستمرار والمواصلة في طريق لم يكن سهلا بالنسبة إليّ، كما اشتغلت بمجلة التلفزيون "الشاشة الصغيرة"، ثم انتقلت لقسم الأخبار، ثم الحصص الخاصة، وحاليا أعمل بقسم الإنتاج بالجزائرية الثالثة، أعدّ وأقدّم برنامج "ما وراء الستار"، الذي يسعى لتغطية كواليس أب الفنون وكلّ ما يحدث فوق الخشبة، البرنامج وصل لموسمه السادس، لكن بقدر ما يعدّ العمل بالتلفزيون ممتعا بقدر ما هو شاق، فلإنتاج دقيقة واحدة من البث يحتاج المرء لساعات وأيام من التصوير، هو عمل جماعي فكلّ جزء مرتبط بالآخر، بالمناسبة أشكر الفريق العامل معي والمسؤولين بالقناة الجزائرية الثالثة على ثقتهم ودعمهم لي، فلولا تكاثف الجهود لما ظهر البرنامج للوجود ولما استمرّ طيلة هذه السنوات. من الرومانسية إلى القصص البوليسية.. حدّثينا عن هذه النقلة وهل تأثّرت بأغاتا كريستي في كتابة هذه القصة التي كان لها حظ أن تكون حاضرة في معرض الكتاب الذي أقيم مؤخرا بقصر المعارض؟؟ — بعد كتابة القصة القصيرة الواقعية الاجتماعية، كتبت الرواية البوليسية، كان دائما حلم حياتي أن اشتغل كمحقّقة بوليسية، ربما بسبب شغفي وولعي بالأفلام والمسلسلات البوليسية، ولأني لم أحقّق حلمي على أرض الواقع، كانت الكتابة بلسمي، عوّضت خسارتي بانتصار من خلال الخيال، حقّقت حلمي على الورق بواسطة القلم، وأنا بالفعل معجبة بأغاتا كريستي دون شك، لكن أنزعج كثيرا حين أقارن بها، لأني لن أصل لمرتبتها ومكانتها، ثم أؤمن أنّ لكلّ إنسان مساره وشخصيته، إذ يتوجّب أن يكون مختلفا عن غيره، فلسنا صورا مستنسخة عن بعضنا البعض كلّ واحد يشبه نفسه، أرى أنّ الأهم أن يتميّز المرء ببصمته الخاصة هذا رأيي الخاص.. فأنا لا أحبّ التقليد وأسعى دوما للإبداع والتجديد. أجل، شاركت في معرض الكتاب الدولي والأمر كان تحديا بالنسبة لي، وقّعت كتابي لقرائي، لا أخفي أني كنت مرعوبة وخائفة أن أظلّ بطاولتي وحدي، غير أنّ المفاجأة الكبرى تمثلت في تدفّق القرّاء عليّ، من أصدقاء وأشخاص لا أعرفهم، سعدت بذلك أيّما سعادة واستعدت ثقتي بنفسي التي تارة تضعف وتارة تقوى خاصة حين رأيت تجمّع القرّاء، طلب منّي الناشر أن أكرّرها مرة ثانية، بالحضور والتوقيع في اليوم الموالي ومع أنّ الأمطار كانت غزيرة وازدحام السيارات كان كبيرا أيضا غير أنّ الجمهور كان منقطع النظير. هل لنا معرفة حيثيات القصة الواقعة في منتصف الليل والمحدثة لنبضات مقلقة توحي بلاشك بحدوث أمر مرعب كجريمة غامضة؟؟ — بالفعل بعد سنوات عجاف من الانتظار واليأس، قرّرت أن أنشر روايتي البوليسية "نبضات آخر الليل" على حسابي من خلال دار نشر "فيسييرا"، سابقا عنونت القصة ب"الهدية اللذيذة" لكن سرعان ما غيّرت العنوان بصراحة تشاءمت منه وبقي العمل يتسكّع متأرجحا بين دور النشر لأزيد عن 7 سنوات ضائعة إلى أن رأى النور مؤخّرا والحمد لله، وهو قصة بوليسية متخيّلة، تدور وقائعها بالعاصمة الجزائرية، أبطالها هما المفتشان كمال وليلى، وهما شخصيتان اعتمدت عليهما في قصة بوليسية سابقة كانت قد نشرت ضمن مجموعة قصصية بعنوان "قبلة خطيرة"، تدور الأحداث حول التحقيق في ملابسات جريمة قتل غامضة، تدفع المحقّقان إلى استعمال طرقهما الخاصة للوصول إلى الجاني ولمن تشوّق لمعرفة المزيد ما عليه إلاّ قراءة القصة. ككاتبة شابة في بداية الطريق تستعين قطعا بالتكنولوجية، هل لنا معرفة مدى مساهمة التكنولوجيات الحديثة من "تويتر" و"فايسبوك" بالأخص في انتشار المواهب والتعريف بالكتّاب والأدباء الشباب ودعمهم؟ — دون شك، ساهمت التكنولوجيات الحديثة من "أنترنت" و"فايسبوك" في إبراز مواهب كثيرة وإظهار أسماء جديدة في الساحة أثبتت قدراتها وكسبت جمهورا لا يستهان به، سابقا كنا نرى نفس الأسماء المتكرّرة وهي التي تمثّل الجزائر في المحافل الوطنية والدولية، أما الآن فبمقدور المرء أن ينقل صوته من على بعد أي مكان، إذ أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة وكلّ إنسان باستطاعته أن يسوّق لنفسه لا يحتاج لغيره، متجاوزا بذلك الحواجز البشرية والعراقيل المادية.. صحيح أني لم أنشر منذ 7 سنوات لكنني حرصت الحرص الشديد على إبقاء جسر التواصل بيني وبين قرّائي من خلال الجرائد، أو الحوارات، والكتابة اليومية عبر صفحات الأنترنت.. الحمد لله العظيم نجحت بذلك في البقاء والصمود. هل تعتقدين أنّ الكتاب سيعرف رواجا وسيعود لسالف عهده.. خير أنيس في الوجود كتاب، أم أنّ التكنولوجيات الحديثة ستخفي وجوده؟؟ سؤال جيّد، فعادة عندما تظهر وسيلة حديثة يعتقد أنّها ستقضي على القديم، لكن الحقيقة أظهرت أنّ لكلّ فن روّاده، المسرح، السينما والتلفزيون.. شخصيا لا أعتقد أنّ التكنولوجيات الحديثة ستخفي الكتاب عن الوجود، بل ستساهم في رواجه، ستتزاوج معه ليظهر بحلّة جديدة، وأرى أنّ التجديد ضرورة لابد منها، كالكتاب الإلكتروني، أو الكتب المسجلة المسموعة، فمرة قرأت رواية للخيال العالمي تتصوّر الأرض في المستقبل، من بينها ظهور فكرة راقت لي هي غريبة قليلا لكنها جميلة وهي أنّ الإنسان يختار كتابا لقراءته، ثم بواسطة الإعلام الآلي يضع جهازا خاصا برأسه عوض أن يقرأ الرواية هو يعيش أحداثها، أي يصبح بطلا في القصة وهي فكرة متميّزة ومبتكرة فالتكنولوجيا في اعتقادي ستسهّل أمورا كثيرة وتثري مجالات عدّة، وتجلب أناسا ليقبلوا عليها ومنها عالم الكتاب الذي سيبقى خير جليس في الأنام، فمهما تطوّر العصر تظلّ مكانة الكتاب محفوظة في العقول والقلوب. هل من كلمة أخيرة نسيمة؟؟ — أشكرك جزيل الشكر صديقتي القديرة على هذا الحوار الذي استمتعت به كثيرا، وجزيل الشكر أيضا لجريدة "المساء" على إفساحها لنا نافذة للتعبير عما يختلج في صدورنا، وكلّ ما أرجوه في الختام هو أن تتغيّر سياسة الناشرين ونظرتهم للكتاب، فمهما كان الكاتب قويا ظاهريا فهو إنسان يحمل بداخله أحاسيس مرهفة وأفكارا قيّمة تستدعي ولو القليل من الاعتبار، فالكاتب لا يروّج لبضائع استهلاكية إنّما هو ينشر زادا معنويا يثري الثقافة والأدب، محاولة منه للنهوض بالفكر خدمة للبشرية التي هي في أمس الحاجة إلى غذاء الروح أكثر من أي شيء آخر، وفي الأخير أتمنى أن يبعد الله عنّا شبح اليأس والاستسلام كي نواصل العطاء بكلّ راحة وأمان لتزهر واحة الأفكار.