في إطار الجلسات التي يعقدها سنويا للاطلاع على مختلف الأنشطة الحكومية، ترأس السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية، اجتماعا تقييميا مصغرا خصص لقطاع التجارة. سمح هذا التداول بتقييم الملف في جوانب عدة. فبخصوص مراقبة ضبط النشاط التجاري تشهد الأدوات التشريعية والتنظيمية استمرار مسار تكييفها مع التحولات الاقتصادية الجارية في البلد على غرار ما تم مؤخرا من خلال المصادقة على قانون جديد حول المنافسة فيما تم إيداع النص المتعلق بحماية المستهلك على مستوى مكتب البرلمان. كما هوالحال في المجال التنظيمي من خلال المصادقة على مراسيم خاصة مثل تلك التي يخضع لها تسويق السيارات وبعض المهن المقننة أوالسجل التجاري. لقد رافق هذا الجهد التنظيمي تعزيز وسائل المراقبة والضبط مثل الإنجاز الجاري ل 13 مخبرا منها المخبر الوطني للتجارب ومراقبة مطابقة المنتوجات الصناعية وتوظيف أعوان المراقبة وإنشاء مركز لتكوين وتأهيل الموظفين. واستجابة للحرص على تحسين ضبط النشاط التجاري لفائدة المستهلكين تم تنفيذ برنامج تأهيل 35 سوق جملة وأزيد من 700 سوق تجزئة عبر التراب الوطني. بخصوص تطهير النشاط التجاري وحماية المستهلكين فإن الجهود المبذولة ما انفكت تتعزز باستمرار. هكذا فإن عدد عمليات المراقبة التي تم تنفيذها قد انتقل من أكثر من 720000 عملية خلال سنة 2007 إلى أكثر من 430000 عملية في السداسي الأول من سنة 2008 . أما عدد المخالفات المسجلة فقد انتقل من أزيد من 115000 مخالفة سنة 2007 إلى حوالي 100000 في السداسي الأول من السنة الجارية فيما عرفت المتابعات القضائية التي باشرتها السلطات العمومية والتي فاقت 110000 متابعة سنة 2007 ارتفاعا إلى أزيد من 80000 خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية. لقد توسعت أنشطة المراقبة وقمع مختلف أنواع الغش التجاري لتشمل التجارة غير القانونية وممارسات الغش عند الاستيراد. ولقد تعززت هذه الأنشطة عبر مراقبة الشركات والمؤسسات الخاضعة لواجب الإشهار القانوني لحساباتها الاجتماعية وقد سمحت هذه المراقبة بكشف غياب المقرات الرسمية لحوالي 30000 شركة تجارية مما أسفر عن إجراءات قضائية بسحب السجل التجاري ومتابعات ضد أزيد من 20000 شركة من بينها. بخصوص تدخل دعم الدولة لفائدة المواطن فلقد تعزز هذا التدخل بشكل محسوس خلال السنتين الفارطة والجارية بسبب ارتفاع أسعار بعض المواد في السوق العالمية. ذلك هو شأن المادة المستوردة لإنتاج الحليب التي باتت مدعمة بحوالي 150 بالمائة من سعرها في السوق العالمية. كما هو شأن القمح اللين الذي يباع بسعر 2280 دج للقنطار في حين بلغ سعره 3000 دج في السوق الدولية ولقد سمح هذا الدعم باستقرار سعر الدقيق المباع للخبازين في حدود 2000 دج للقنطار. لقد شمل دعم الدولة ابتداء من 1 جانفي 2008 القمح الصلب الذي أضحى يباع بسعر 2280 دج للمطاحن في حين أن سعره في السوق العالمية يقدر بضعفه. وقد سمح هذا الدعم باستقرار سعر السميد بين 3600 و4000 دج للقنطار حسب النوعية بعد أن بلغ 6000 دج بل تعداها سنة 2007 . في نفس السياق تم هذه السنة رفع دعم الدولة لسعر نقل بعض المنتوجات الإستراتيجية باتجاه ولايات الجنوب ال 10 من 5ر1 دج إلى 3 دج للطن في الكيلومتر وذلك لتجنيب سكان ولايات جنوب البلد كلفة إضافية مقارنة بسكان الولايات الشمالية. سيتم بذل نفس الجهد لتعويض سعر المنتوجات الأساسية من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين. ومن جهة أخرى سيوسع أن البرنامج الجاري تنفيذه لإنجاز أسواق الجملة والتجزئة للخضر والفواكه في إطار المخطط الخماسي القادم ليشمل إنجاز 50 سوق جملة و838 سوق تجزئة مغطاة و1000 سوق جوارية كما سيتم تعزيز قدرات التخزين لا سيما عن طريق التبريد. تخص هذه الحركية كذلك المذابح وأسواق الجملة للسمك والمسامك وأسواق المواشي وأسواق السيارات. فمن شأن التعزيز المرتقب لهذه المرافق التجارية أن يساهم في ضبط أمثل للسوق وتحسين شروط تموين المواطنين. كما أن الأعمال التي بوشرت على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف ستتواصل حتى يندمج بلدنا ضمن المجموعات الاقتصادية الإقليمية والدولية. ولدى تدخله إثر مناقشة هذا الملف اغتنم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الفرصة ليوجه أوامر لإدارة التجارة وغيرها من السلطات المعنية لمضاعفة الجهود والتجند لا سيما خلال شهر رمضان المعظم لحماية القدرة الشرائية للسكان وصحتهم من أضرار الناهبين الذين لا يحترمون تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ويفتقرون لأدنى حس مدني فيحولون كل سنة شهر العبادة والصوم إلى فرصة للتعدي على المجتمع وللربح غير المشروع. وواصل رئيس الجمهورية حديثه قائلا: أن "الحصيلة التي قدمتها وزارة التجارة تبرز الاختلالات الناجمة عن عدم احترام القوانين وحقوق الغير وذلك ما يمثل كذلك إرثا عن المأساة الأليمة التي عاشتها الجزائر والتي كرّست الدولة خلالها جهودها لحماية المواطن من ويلات الإرهاب". وأضاف رئيس الجمهورية أن "هذه الحصيلة التي تناقشنا حولها تبين أن عددا كبيرا من الوكلاء الاقتصاديين يسعون إلى تحويل تحرير النشاطات الاقتصادية والتجارية إلى وضعية لا قانون حقيقية ويتمادون فيها بصفة مشينة من خلال الغش في الأعمال والتجارة". وفي الأخير استخلص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من تحليل هذه الحصيلة ملاحظة ثالثة وأخيرة وهي ضرورة أن تجعل الدولة من مراقبة وضبط الحقل الاقتصادي بما فيه التجارة أولوية وطنية حقيقية. "إن التقويم الوطني سجل بدون شك تقدما في كل الميادين بما في ذلك الخدمات الاجتماعية ومختلف أنواع الدعم العمومي لتحسين ظروف معيشة شعبنا. لكن أثار هذه الجهود أحبطتها أعمال الغش التي تعيب النشاط الاقتصادي وخاصة التجارة وكذا الامبالاة التي تلحق الضرر بسمعة ونشاط مصالح المراقبة وكل هذه الوضعية يجب أن تتغير حتما". كما أضاف رئيس الدولة موجها عددا من التوجيهات للحكومة. في المقام الأول: قرر رئيس الجمهورية أن الحكومة ملزمة بالإسراع واستكمال تأهيل التشريع والتنظيم الخاص بتأطير المراقبة والضبط الاقتصادي والتجاري على أن يجهز هذا الملف مع نهاية سنة 2009 كآخر أجل. وأوضح الرئيس بوتفليقة أن "تأطير النشاطات الاقتصادية يجب أن يكون انشغالا وطنيا كما يجب ألا تخضع ترقيتها إلى الضرورات المترتبة عن اعتبارات غير موضوعية". في المقام الثاني أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحكومة بتجنيد الموارد الضرورية لتطوير وتحديث وسائل المراقبة التجارية في مجال النوعية والمعايير وحماية صحة المستهلكين. وواصل رئيس الجمهورية قائلا: "كما قلته خلال مجلس الوزراء الأخير بالنسبة لدعم مصالح الضرائب فإن مصالح المراقبة التجارية يجب أن تصبح من الآن فصاعدا إحدى أولوياتنا لتعزيز دولة القانون وفرض احترام القانون في الدائرة الاقتصادية وبهذا يمكن خدمة وحماية المواطن المستهلك". في المقام الثالث كلف رئيس الدولة الحكومة بالسهر على تكفل البرنامج الخماسي 2009 - 2014 بإنجاز شبكة أسواق التوزيع وطنية وجهوية ومحلية وحتى جوارية. وأضاف رئيس الجمهورية أن "الجماعات المحلية تهمل انجاز وتحديث الأسواق بسبب نقص الموارد غالبا. ستشجع الدولة الجهود التي ستقوم بها الجماعات المحلية في هذا المجال مما سيحسن ظروف معيشة المواطنين لكن سيساعد أيضا الدولة في مكافحتها للدوائر الموازية والتجارة بدون فوترة وكذا مكافحة إلحاق الخطر بالصحة العمومية". أخيرا وفي المقام الرابع طلب رئيس الجمهورية من الحكومة تطوير تنظيم زراعة البقول لكسر تصرفات المضاربة التي تستهدف الفلاحين والمواطنين المستهلكين. "يجب أن تضطلع السلطات العمومية بضبط سوق المنتجات الفلاحية وفي المستقبل اللحوم، تخصص الدولة سنويا حوالي مليار دولار لدعم الفلاحة قصد تطوير الإنتاج وتحسين ظروف معيشة الفلاحين لكن أيضا بغية الحصول على نتائج حول تكاليف المعيشة لفائدة كل السكان، لذا فإننا نسجل من الآن فصاعدا تنظيم توزيع المنتجات الفلاحية الأساسية ضمن الأهداف الكبرى للدعم العمومي للفلاحة"، كما قال رئيس الجمهورية الذي دعا في الأخير إلى مساهمة الفلاحين والموزعين وحتى أرباب العمل في قطاع الصناعات الغذائية معتبرا أن هذه معركة الجميع خدمة لكل المواطنين.