تترأس صليحة سنوسي، أستاذة بحث بالمركز الوطني للبحث في الانتروبولوجية الاجتماعية والثقافية بوهران، متحصله على شهادة الدكتوراه في الثقافة الشعبية بجامعة تلمسان، مشروع بحث حول "الموروث الحكائي الشعبي في الجنوب الغربي"، هذا المشروع الذي انطلق في جانفي 2015 ويستمر إلى غاية ديسمبر 2017 ... وحول ما تم إنجازه والغرض المرجو من المشروع والعراقيل التي صادفت الباحثة وفريقها، عدنا لكم بهذه التفاصيل. تقول الباحثة صليحة في حديث خاص ل"المساء" إن "الحكاية الشعبية هي تراث وفن وشكل من أشكال التعبير الشفهي الذي يحمل في مضامينه مخزونا ثقافيا مكثفا من نتاج جمعي يتسم بمهارات اكتسبها جراء التراكمات التاريخية التي أضفت صبغة الخصوصية والمحلية عليها. ولذلك نعتبرها تضيف: "ظاهرة اجتماعية وأدبية مرتبطة بالذاكرة الفردية والجماعية للمجتمع، ومنظومة متداخلة ومتقاطعة من القيم الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، فهي مسألة مرتبطة بجوهر الإنسان من أجل هذا نطمح من خلال مشروع البحث في الموروث الحكائي الشعبي في الجنوب الغربي، إلى إثراء مجال الثقافة الشعبية وبالخصوص الأدب الشعبي لما يمثله من روح الأمة وهويتها، مع التأكيد على خصوبة هذا الميدان وضرورة البحث الميداني فيه بالجمع والتدوين لأنه أكثر الفنون الشعبية شيوعا واستعمالاً بين جميع شعوب العالم، وحضوره يحقق عمقًا حضاريا وثقافيا وإنسانيا". جمع الحكاية وتوثيقها هدف المشروع يهدف هذا المشروع إلى جمع وتوثيق الحكاية من أفواه أصحابها حاملي التراث الشعبي عبر مختلف مناطق الجنوب الغربي الجزائري ممثلة في ولاية بشار، أدرار وتندوف، وهي محطات البحث المختارة تقول الباحثة صليحة وتضيف: "رغم شساعة المنطقة من حيث المساحة، إلا أن التجمعات السكانية وخاصة البدوية كانت محطة اهتمامنا لما تحمله ذاكرتهم من إرث شفوي عامة والحكاية الشعبية خاصة مع التركيز على قدرة هذا الجنس الشعبي على حمل الواقع الاجتماعي والثقافي بمختلف أنظمته وتوجهاته وحمولاته الثقافية، ممثلة في المعتقدات الشعبية، السلطة السياسية والاجتماعية وتمثلات المرأة. ثراء الموروث اللامادي دافعنا إلى المشروع الحكاية الشعبية، هذا الجزء المنسي من تراثنا يعتبر عنصرا مهما من عناصر التعابير الشفهية، التي تحتاج إلى عناية كبيرة وذلك بجمعها وتدوينها ودراستها وإحياء ذاكرتها وتثمين ما تمثله من رموز ثقافية وقيّم إنسانية. ومن هذا المنطلق، ارتأينا تقول الباحثة، وبعد ما لاحظناه من نقص في البحث الشعبي الميداني خاصة في الجنوب الغربي والنفور من الدراسات الشعبية اللامادية واعتبار البعض منها مواضيع تقليدية، الخوض في هذا المجال لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جمع لهذه المادة ودراستها خاصة أن المنطقة تتميز بشساعتها وبالتالي تنوع تراثها وما يحمله من كنوز ثقافية وتعابير شعبية، مشيرة إلى أن التركيز في مشروع البحث فى منطقة الجنوب الغربي جاء من منطلق خصوبة المنطقة بتراثها الشعبي عامة والحكائي خاصة الذي لا يزال غير مستغل". وحول طريقة تجسيد مشروع البحث ميدانيا، قالت المتحدثة "عملنا على بلورة مقاربة منهجية أنتروبولوجية تنسجم وموضوع البحث حول الحكاية الشعبية لما يتسم به هذا اللون الشعبي من سمات جماعية وفكر جمعي ومن جهة ثانية، تتلاءم وتوجهات الميدان. فاخترنا المقابلات المفتوحة وهذا من أجل جمع وتصنيف المادة المطلوبة الممثلة في الحكايات الشعبية التي نعتمدها وما تطرحه من إشكاليات، فالحكاية الشعبية يميّزها الطابع الشفهي، ما يحتم علينا النزول إلى الميدان للقيام بمقابلات لأشخاص مازالت ذاكرتهم تزخر بهذا الإرث الشعبي الشفهي، إلى جانب البحث والتنقيب عن المدونات والمخطوطات وبعض الحكايات الشعبية المدونة. ويتم الجمع بوسائل أهمها آلة التسجيل، الكاميرا، آلة التصوير من أجل تكوين مدَونة سمعية بصرية للحكاية الشعبية بالجنوب الغربي. وتعد هذه المرحلة من المشروع من أهم المراحل صعوبة لما يصطدم به الباحث من عراقيل في الميدان. و على عموم، وبعد سنة من انطلاق المشروع، حاولنا وضع إطار منهجي لمسار الدراسات الأدبية التي أنتجت حول موضوع الحكاية الشعبية عامة والجزائرية خاصة.