عبّرت عدة نقابات وطنية مستقلّة عن رفضها لأهم قرار تمخّض عن اجتماع الثلاثية المنعقد مطلع الأسبوع الجاري، والمتمثل في تحديد سن التقاعد ب60 سنة ومنه إلغاء التعليمة الصادرة سنة 1997، والتي سمحت للعمال بالاستفادة من التقاعد النسبي وكذا المسبق في خطوة جاءت لتنقذ وضعا وظرفا خاصا كانت تمر به الجزائر والمؤسسات. الحكومة ومن خلال الثلاثية قررت العودة إلى النظام القانوني العالمي المتعامل به في التقاعد، والذي يحدد سن 60 سنة للتقاعد بالنسبة للرجال و55 سنة بالنسبة للمرأة العاملة، وهو القرار الذي أثار حفيظة بعض النقابات التي تمثل عددا من الأسلاك المعنية مباشرة بالقرار على غرار قطاع التربية. وتحضّر النقابات التي حاورتها "المساء" لرفع تقرير للوزير الأول تشرح فيه صعوبة تطبيق القرار الذي لا يتماشى والتوجه الاقتصادي الجديد الذي يتطلب كفاءات وقدرات شابة وغير منهارة. تحضّر النقابات الوطنية المستقلة لعقد اجتماعات استثنائية في الأيام القليلة القادمة لتحديد موقفها من قرارات الثلاثية الأخيرة، خاصة ما تعلق منها بالعودة إلى تحديد سن التقاعد ب60 سنة وإلغاء مختلف الاستثناءات التي كان متعاملا بها من قبل على غرار التقاعد المسبق والنسبي، وهو ما رفضته بعض النقابات التي قالت إن الاستثناءات هي بمثابة المكاسب التي لا يمكن التنازل عنها خاصة وأن الواقع الميداني يؤكد استحالة تسجيل مردودية في الأداء بعد بلوغ سنوات معينة من العمل وبعد تجاوز ال55 سنة. رد فعل نقابات التربية كان سريعا وواضحا وهي التي يستفيد معظم عمالها من الامتيازات الملغاة والتي جاءت حسبهم لتستجيب لخصوصيات مهنتهم التي يتوقف فيها عطاء الأستاذ عند سن معيّنة وسنوات عمل محددة، وتجاوز تلك الفترة ستكون له نتائج وانعكاسات سلبية على التلاميذ ومستواهم التعليمي، وهو ما ذهبت إليه النقابة الوطنية لعمال التربية، التي تنسّق مع تنظيمات وتكتلات نقابية أخرى لرفع تقرير للوزير الأول تشرح فيه موقفها الرافض للقرار. "الأسنتيو" لا لإلغاء التقاعد النسبي وسنحتجّ في حال تطبيقها عبّرت النقابة الوطنية لعمال التربية "الأسنتيو" عن رفضها القاطع لما خلص إليه اجتماع الثلاثية الأخير فيما يتعلق بنظام التقاعد، النقابة وفي بيان حاد تسلّمت "المساء" نسخة منه أمس، رفضت ما أسمته محاولة الحكومة إلغاء التقاعد النسبي وأشار بيانها بالقول "لا لإلغاء التقاعد النسبي، نعم من أجل إنقاذ أنظمة التقاعد دون المساس بالحقوق المكتسبة لا للإجهاز على الموظفين، لا للقرارات الأحادية والمصيرية التي تخص الموظفين، لا للمعاشات الفتات، نعم لتقاعد مريح لموظفين أفنوا أعمارهم خدمة لهذا الوطن في قطاع التربية، نعم لرعاية مفضّلة لأناس أسدوا الكثير من أجل بناء المدرسة العمومية في الجزائر. ويضيف البيان "نحن أمام لحظة تاريخيّة حاسمة وأمام مفترق طرق ومرحلة نوعيّة في مرحلة إعداد نظام التقاعد ومحاولة الحكومة إلغاء التقاعد النسبي. يقتضي منّا الوعي بكلّ العوامل المتحكّمة في آفاق ومستقبل هذه المرحلة الجديدة المحفوفة بكلّ الاحتمالات والمخاطر المحدقة بموظفي الوظيفة العمومية عامة، وموظفي قطاع التربية خاصة لذلك تتمسك "الأسنتيو" بحق العامل والموظف بالتقاعد النسبي والذي يمنح للموظف حق التقاعد عن العمل دون السن القانوني، حيث تكون نسبة التقاعد وفق سنوات الخدمة المقدمة. النقابة التي عبّرت عن رفضها إمكانية إدخال أي تعديلات جديدة على التقاعد جملة وتفصيلا، أعربت عن تمسّكها بحقها بشن حركات احتجاجية في حال تطبيقها على أرض الواقع لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التراجع عن حق الموظف والعامل في التقاعد النسبي والذي هو بمثابة مكسب لكل الموظفين، خاصة لدى موظفي قطاع التربية الوطنية، كما أن مقترحات النقابة حول التقاعد الكامل المقدر ب80 بالمائة تتمحور حول أحقية موظف قطاع التربية في حق التقاعد على أساس 30 سنة من العمل بغض النظر عن السن القانوني المحدد ب60 سنة بالنسبة للرجل على أن تنال المرأة في قطاع التربية الوطنية حقها في التقاعد بعد 25 سنة من العمل. وهي المقترحات التي ستدافع عنها النقابة إلى آخر المطاف. ويبقى غياب طب العمل، وهو من ضمن المطالب الأساسية التي رفعتها النقابة الوطنية لعمال التربية ولم تستجب له بعد الوزارة الوصية، من أهم أسباب معاناة الأساتذة والمعلمين الذين يجبرون في كثير من الحالات على العمل رغم تدهور أوضاعهم الصحية، كقصر النظر وتضرر الأحبال الصوتية وهي كلها عوائق بيداغوجية، لأن مصالح صندوق الضمان الاجتماعي تقرر نسبة حجز جد ضئيلة، تجبر الأستاذ أو المعلم على العودة إلى عمله، في حين أن طبيب العمل هو من يمكنه تحديد نسبة العجز الفعلية التي تحيل المؤطر على عطلة مدفوعة الأجر بنسبة توافق نسبة العجز الفعلية. ومن هنا يكون السبيل الوحيد هو التقاعد النسبي كأخر حل لموظف قطاع التربية الذي أنهكته الأمراض المختلفة في غياب رعاية صحية وتضامنية لائقة بخصوصية مهنته. "الكناباست" تحديد سن التقاعد لا يتماشى وخصوصية القطاع أكد السيد مسعود بوديبة، المكلّف بالإعلام لنقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني "كناباست"، أن قرار الثلاثية تحديد سن التقاعد لا يتوافق مع خصوصية أسلاك التدريس، مشيرا إلى أن مهنة التدريس وبخصوصيتها تتطلب إجراءات خاصة، معتبرا أن التقاعد على 30 و32 سنة خدمة هو شاق للمعلّم والأستاذ، ولذلك-يضيف- نطالب بالتقاعد على 25 سنة خدمة فعلية، وعليه عبّرت النقابة عن رفضها التنازل عن مكسب التقاعد بعد 30 و32 سنة خدمة فعلية، بل نطالب -يقول بوديبة- بضرورة التفكير في إنقاص عدد السنوات نظرا لأن مهنة الأستاذ والمعلم مهنة شاقة تمس بعقلة وفكره وصحته وعلينا أن نعمل على حماية هذه الفئة.. المتحدث كشف عن دورة استثنائية للمجلس الوطني التي ستعقد لاحقا لإعطاء رأي فاصل في ملف التقاعد بعد مناقشة الموضوع، مشيرا إلى وجود تنسيق قوي مع نقابات أخرى بخصوص هذا المطلب. نقابة المصالح الاقتصادية القرار له تأثير سلبي كلي وجزئي عبّر المنسّق الوطني المكلّف بالإعلام لدى نقابة موظفي المصالح الاقتصادية السيد بوسكين عبد الكريم، عن عدم رضا نقابته عن القرار الذي اتخذته الثلاثية، مشيرا إلى أن عددا من موظفي القطاعات الاقتصادية الهامة ستتأثر بالقرار على غرار التربية التي لا يقدم أساتذتها ومعلموها الذين تفوق أعمارهم عن ال55 شيئا، واتخاذ الحكومة والشركاء الاجتماعيين مثل هذا القرار يعني بالضرورة إرغام الموظفين على البقاء في مناصبهم رغما عنهم، وهو ما يجعلهم يتقاضون أجورا دون أي مردود. ويبقى الخاسر الكبير في هذا القطاع هو التلميذ بالنسبة لقطاع التعليم دون الحديث عن باقي القطاعات الاقتصادية المعروفة بنشاطها الشاق والمتعب والتي سيؤثر فيها القرار بشكل سلبي سواء على الشخص أو على الاقتصاد، بحيث يتقاضى العامل أجره دون أن يكون بإمكانه تقديم الكثير، في حين يتطلب الوضع الاقتصادي الراهن كتلة عمالية قوية قادرة على الدفع بعجلة الصناعة ومنها الاقتصاد دفعا قويا وهو ما يتطلب حاليا قدرات بشرية وكفاءات قوية وشابة. المتحدث ذكّر بجملة الاقتراحات التي رفعتها النقابة للحكومة للرفع من موارد صندوق التقاعد المالية، مشيرا إلى أنه حاليا يتم اقتطاع 9 بالمائة من أجر الموظف و24 بالمائة يدفعها صاحب العمل و المؤسسة وتم اقتراح رفع نسبة اشتراكات العامل لدى الصندوق ما بين 2 إلى 4 بالمائة للرفع من الكتلة المالية للصندوق، دون أن يؤثر ذلك على المؤسسة ولا على الصندوق. الإبقاء على 32 سنة عمل للتقاعد هو مطلب تتمسك به النقابة، مستشهدا ببعض الدراسات والإحصائيات التي تؤكد أن العامل الذي يتجاوز سنّه 55 سنة لا يقدم شيئا وهو ما أكدته التجربة، وسنرفع -يضيف السيد بوسكين - اقتراحاتنا للحكومة والهيئات الوصية ما دام القانون لم يطبّق وسنقدم أدلة على أن القرار سيكون له تأثير سلبي كلي وجزئي على الاقتصاد ككل. "السناباب" المشكل في السياسات الاقتصادية وتحديد سن التقاعد ليس حلا وصف إلياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، قرار الثلاثية بالإجراء العادي والمتوقع، معتبرا أن قرار اجتماع الثلاثية كان منتظرا، مبرزا أنه لن يكون في حد ذاته حلا لأزمة صندوق التقاعد لأن الوضعية الحالية ما هي إلا إسقاطات سلبية ناتجة عن وضع ونشاط اقتصادي غير ناجح، ومنها التدابير الاقتصادية وسياسات لم تتمكن من خلق الشغل والقيمة والثراء، ولعل تأزم الوضع المالي على مستوى صندوق التقاعد الوطني ما هو إلا نتيجة منطقية لسياسات غير ناجحة. النقابي وبعد أن انتقد إقصاء الحكومة لنقابته ونقابات أخرى وتغييبها عن اللقاء الهام الذي كان من المفروض أن تشرك فيه كل الفعاليات والتنظيمات دون استثناء، أكد أن تحديد سن التقاعد ب60 سنة هو إجراء قانوني والأصل هو التقاعد في سن 60 سنة ومن المهم الحفاظ على هذا الشرط القانوني لكي يتم الاستفادة من صندوق التقاعد بعدل ومساواة وإنصاف بين كل العمال الجزائريين وهذا مفروغ منه. وذكر المتحدث أن المتغيّر هو إلغاء الإمكانية المتاحة للعامل والموظف للتقاعد قبل السن القانوني 45 للنساء و55 للرجال مع إمكانية التقاعد بقطاعات أخرى كالمناجم وتلك المعروفة بأدائها الشاق والمتعب والتي يكفى التقاعد بها بعد 25 سنة عمل. وعلى الرغم من كون الإجراء عادي إلا أنه لا ينقذ الوضع العام رغم مساهمته في التخفيف من الضغط على صندوق التقاعد، لكن ما لم يتم تبنّي سياسة اقتصادية جديدة ناجحة للخروج من اقتصاد الريع سنجد أنفسنا -رغم هذا الإجراء- في ضائقة مالية جديدة على المدى القصير والمتوسط يعجز من خلالها الصندوق عن تسديد معاشات المتقاعدين. السيد مرابط دعا إلى البحث في مسبّبات الأمور التي تدفع بالعمال إلى التقاعد النسبي، مشيرا إلى أنه بالنسبة للصحة فقد تفاقمت بها الأمور في السنة الأخيرة جعلت المهنيين والنقابات تفتح بابا ونبحث في أسباب لجوء العامل والموظف إلى التقاعد النسبي، ولدى طرحنا الأسئلة المهمة وجدنا –يضيف- الأجوبة اللازمة والشافية والتي تكمن أساسا في محيط العمل والتي نتكلم عليها منذ سنوات وننبّه إليها ومنها غياب الأمن وتفاقم ظاهرة العنف بالمؤسسات الصحية بسبب غياب شروط عمل لائقة وهياكل تحتية دون المعايير، ونقص الخدمات الصحية وصعوبة توفيرها ونقص الموارد المالية وحتى البشرية.وقد خلقت جملة النقائص والمشاكل السالفة الذكر ضغوطات نفسية غالبا ما تتسبب في تشنّجات بين العامل والمسيّر.. ويبقى الحل يكمن في ربط الوضعيات مع بعضها البعض وإعادة النظر في السياسات ومراجعة الكثير من الأمور دون طابوهات، مع اشتراط المتحدث جمع كل القوى الحيّة دون إقصاء وتضييع الوقت والجهود.