اختُتمت، سهرة الأربعاء الماضي، فعاليات الطبعة التاسعة من المهرجان الدولي للفيلم العربي بتتويج الفيلم المصري "نوارة" للمخرجة هالة خليل، بالجائزة الكبرى للوهر الذهبي، فيما عادت جائزة أحسن إخراج للجزائري لطفي بوشوشي عن عمله الروائي الطويل "البئر". كما حاز الفيلم الجزائري "في راسي رومبوان" على الوهر الذهبي في فئة الأفلام الوثائقية. حفل الاختتام الذي جرت وقائعه على مستوى مسرح الهواء الطلق حسني شقرون، كان متميزا جدا، وذلك بحضور كوكبة من ألمع الفنانين الذين شاركوا في فعاليات الطبعة التاسعة من مهرجان وهران، في مقدمتهم فاروق الفيشاوي وأيمن زيدان بصفتهما ضيفي شرف هذه الطبعة. وفي هذا الإطار أكد محافظ المهرجان السيد إبراهيم صديقي في الكلمة التي ألقاها بالمناسبة، أنه زيادة على تنافس الأفلام القوية ومتابعة الصحفيين للحدث واستنفار الذاكرة، حان وقت التتويج، لأنه لا يمكن لأي كلمة أن تعلو فوق كلمة لجان التحكيم، ولا صوت يعلو على صوت الصرامة والإنصاف، خاصة أن الأفلام المعروضة صنعت الحدث بامتياز. بالمقابل، قامت لجنة تنظيم المهرجان بتكريم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كعرفان له على ما قدمه من خدمات جليلة للثقافة التي عمل على تكريسها في الدستور الجزائري. عودة إلى فعاليات الطبعة التاسعة لمهرجان وهران للفيلم العربي، فقد اعترف رؤساء مختلف لجان التحكيم بأن عمليات اختيار الأفلام المشاركة كانت صعبة للغاية بالنظر إلى المواضيع الهامة والحساسة التي تمت معالجتها في هذه الأفلام، لتكون عملية انتقاء أحسن الأعمال في الطبعة عسيرة. أما عن الأفلام المتوجة فقد ظفر الفيلم المصري الطويل "نوارة"، بجائزة الوهر الذهبي، وعملت مخرجته على تقديم رؤية خاصة بها من خلال توظيف عناصر درامية جديدة بكل احترافية، أقنعت من خلالها لجنة التحكيم التي ترأّسها المخرج السوري الكبير محمد ملص، بفكرة النص التي أماطت فيها اللثام عن ثورة "يناير المصرية" بدون إهمال الجانب العاطفي؛ من خلال سرد قصة نوارة الفتاة الساذجة التي تجد نفسها ضحية قيم إنسانية ومبادئ نموذجية اختفت منذ زمن بعيد. زيادة على هذا فقد برع مختلف الممثلين في تجسيد الأدوار المنوطة بهم في هذا الفيلم، الأمر الذي نال إعجاب لجنة التحكيم وحتى الجمهور الذي تابع وقائع الفيلم، وتأثر بأداء منة شلبي، التي تمكنت من افتكاك جائزة أحسن دور نسائي بعد أن تم تتويجها مؤخرا كذلك بنفس الجائزة بمهرجان "تطوان المغربي في المهرجان الدولي لسينما البحر المتوسط". أما عن الجانب الجزائري فنال المخرج لطفي بوشوشي جائزة أحسن إخراج في فئة الأفلام الطويلة عن فيلم "البئر"، الذي تعرّض بالتصوير لمشاهد الحرمان والمعاناة المستمرة التي عاشها الجزائريون بسبب وحشية المستدمر الفرنسي الغاشم خلال محاصرته قرية صغيرة بالجنوب الجزائري، مانعا عن أبنائها الماء. ورغم أن الكثير من النقاد والمتابعين رشحوا الفيلم لنيل جائزة "الوهر الذهبي"، إلا أن المخرج لطفي بوشوشي بدا سعيدا جدا بتتويج العمل بجائزة أحسن إخراج من خلال الرسالة التي قرأتها نيابة عنه بطلة الفيلم، مؤكدا أنه سعيد بتمثيله السينما الجزائرية أحسن تمثيل في ظل المنافسة القوية جدا في هذه الطبعة من مهرجان وهران للفيلم العربي. أما بالنسبة للأفلام القصيرة التي نال فيها الفيلم المصري "حار جاف صيفا" الذي أخرجه شريف البنداري جائزته الكبرى، فتدور أحداثه حول شخصين غريبين عن بعضهما البعض، يتقابلان بالصدفة وسط مدينة القاهرة، حيث يذهب محمد فريد المصاب بمرض السرطان، إلى طبيب ألماني من أجل العلاج، ليلتقي بناهد السباعي يوم زفافها وتتسبب مقابلتهما في تغيير حياة كل منهما بقوة لا نظير لها. كما فاز الفيلم الطويل العراقي "صمت الراعي" لمخرجه رعد المشتت، بجائزة تنويه لجنة التحكيم. وتناول فيه صاحبه واقع مجتمع تختلط فيه التقاليد بعادات سيئة في زمن الاستبداد، حيث سلّط الضوء على زهرة مراهقة في الثالثة عشر من عمرها، تغادر منزل العائلة القروي من أجل جلب الماء من النهر المحاذي للقرية لكنها تختفي، تاركة سكان القرية في حيرة من أمرهم ويتخيلون مصير الفتاة، ومن ثم تتسارع الأحداث بشكل مؤلم ودرامي. جائزة لجنة التحكيم الخاصة عادت إلى الفيلم المغربي "مسافة ميل بحذائي"، الذي يتناول فيه المخرج سعيد خلاف قصة طفل صغير يعيش حياة التشرد، ويتعرض لعنف الشارع، غير أنه يعمل كل ما في وسعه من أجل العيش في كرامة خارج أوكار الجريمة والانحراف. ومن هذا المنطلق يحاول المخرج معالجة ظاهرة أطفال الشوارع، وكذا مسائل أخرى مثل الخيانة والصداقة والحب والوفاء، وفي الأخير يقدم رسالة مفادها أن الطفل المتشرد قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة إذا لم يحظ بالاهتمام من طرف المجتمع الذي يعيش فيه وينتمي إليه. أما بالنسبة للفيلم الجزائري "في راسي رومبوان" للمخرج حسان فرحاني، فقد حاز على جائزة الوهر الذهبي في فئة الأفلام الوثائقية، ويتطرق فيه المخرج لحياة العاملين داخل مذابح الجزائر بعيدا عن أسرهم وعائلاتهم التي تقطن في سطيفووهران وغيرهما من المناطق، ويكشف أنه وراء القمصان الملطخة بالدماء. هناك قلوب رجال تنزف ألما وتشكو قهرا، ولكنها تنبض حبا كبيرا، وقد تكون مكسورة أو مقهورة أو حتى مجروحة، لكنها تظل خفيفة الدم. للعلم، سبق لهذا الفيلم أن نال جائزة "التانيت الذهبي" في مهرجان قرطاج بتونس وجائزة "مهرجان بواتييه" بفرنسا، كما شارك في العديد من المهرجانات العالمية. وقد شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان 34 فيلماً، من بينها 12 فيلماً في فئة الأفلام الروائية الطويلة، و12 فيلماً في فئة الأفلام الروائية القصيرة، و10 أفلام في فئة الأفلام الوثائقية. وفي هذا الصدد قال محافظ المهرجان السيد إبراهيم صديقي: "إن الجزائر فتحت باباً منذ زمن على الثقافة العربية، وهي مستمرة في ذلك"، مضيفا: "أي إضافة يقدمها العرب للسينما أو الفنون عامة ستصب في مصلحة الثقافة والإبداع رغم الاختلاف الذي قد يكون حاصلا، وهو موجود فعلا".