تؤكد الأرقام المتعلقة بالتشغيل في الجزائر، عودة ديناميكية سوق العمل مع بداية سنة 2016. ففضلا عن نتائج التحقيق التي أجراها الديوان الوطني للإحصاء في أفريل الماضي والتي أوضحت تراجع نسبة البطالة إلى 9.9 بالمائة، فإن أرقام الوكالة الوطنية للتشغيل تشير إلى ارتفاع عروض العمل خلال السداسي الأول ب14 بالمائة، مقابل تقلص عدد طالبي العمل ب2بالمائة، وارتفاع عدد التنصيبات ب12 بالمائة. وتوضح الأرقام التي تحصلت عليها "المساء" أن تراجع البطالة إلى النسبة المشار إليها سابقا مبررة بالنظر إلى مجموعة من العوامل الموضوعية، منها الارتفاع المتوالي للتنصيبات الاقتصادية في الفترة مابين 2010-2015، بما فيها التوظيفات المحققة في إطار عقود العمل المدعّمة والتنصيبات المحققة من طرف الهيئات الخاصة المعتمدة لتنصيب العمال، والتي تمكنت خلال الخماسي السابق من توفير 1.751.477 منصب شغل، من بينها 1.485.180 تنصيبا من طرف الوكالة الوطنية للتشغيل،218.661 تنصيبا في إطار عقود العمل المدعّمة و47.636 تنصيبا من طرف الهيئات الخاصة المعتمدة لدى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي. وخلال السداسي الأول من السنة الجارية، بلغ عدد التنصيبات الكلية المحققة 227.718 منصب شغل. وتشير مصادر من الوزارة إلى أن هذه النتائج هي ثمرة للسياسة الوطنية للتشغيل التي وضعت في 2008 من خلال "المخطط الوطني لترقية التشغيل ومكافحة البطالة"، الذي يولي عناية خاصة للمقاربة الاقتصادية لمعالجة البطالة من خلال تشجيع الاستثمار المنتج المولد لفرص العمل والحكامة الجيدة في مجال التكوين وعصرنة سوق العمل، إضافة إلى تقوية آليات الحوار الاجتماعي. وتتميز هذه السياسة الجديدة بكونها "شاملة ومتعددة الأبعاد، تتجاوز السياسات النشيطة التقليدية لسوق العمل القائمة على التأثير على العرض والطلب وبرامج إدماج طالبي العمل المبتدئين"، لتستهدف كل الناشطين في كل القطاعات. وفي قراءة لأرقام البطالة التي تم الإفصاح عنها، مؤخرا، من طرف الديوان الوطني للاحصاء، والتي يرى البعض أنها تجانب الواقع الجزائري، فإن الوزارة -التي ليس من مهامها القيام بالإحصاء الموكل فقط للديوان- تعتبر أنها نابعة من مؤشرات ومعطيات حقيقية، ناتجة عن إجراءات اتخذتها الحكومة لعل من أهمها، "التوجهات القطاعية التي ميزت البرامج التي خصت البنيات التحتية الاقتصادية كالسكن والمواصلات والموارد المائية والأشغال العمومية"، بالإضافة إلى "المشاريع الكبرى في مجال تنمية النشاطات في القطاعات خارج المحروقات كالصناعة والفلاحة والتي تزامنت مع إجراءات الدعم والتسهيلات المقدمة للمؤسسات الاقتصادية في مجال إنعاش التشغيل" و"الدعم المتواصل للحكومة في مجال الأجهزة العمومية لدعم التشغيل المأجور وإحداث الأنشطة المصغرة"، بالإضافة إلى "الإجراءات الجديدة لتسهيل انتقال العاملين في القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم التي تضمنها قانون المالية التكميلي لسنة 2015" و"الإصلاحات التي خصت الموارد البشرية". يضاف إليها الشروع في تنفيذ الإجراءات الجديدة المتضمنة في تعليمة الوزير الأول عبد المالك سلال رقم 1 المؤرخة في 3 فيفري 2014، المتعلقة بتسهيل إجراءات الوساطة في سوق العمل التي قلصت آجال معالجة عروض العمل من 21 يوما إلى غاية 5 أيام. ارتفاع فرص العمل الدائمة بحوالي 40 بالمائة ويشير التحقيق الأخير للديوان الوطني للاحصاء إلى انتقال عدد السكان المشغلين من 9.735.000 شخص في سبتمبر 2010 إلى 10.594.000 شخص في سبتمبر2015، ليصل إلى 10.985.000 شخص في أفريل 2016، أي بإرتفاع يقدر ب12.84بالمائة مقارنة بسنة 2010 وب3.69 بالمائة مقارنة بسنة 2015. وعرف عدد العاملين الأجراء (الدائمون والمؤقتون) زيادة قدرها 17.6 بالمائة خلال الفترة 2010-2016 وانتقلت حصتهم من إجمالي العمالة من .366 بالمائة في سبتمبر 2010 إلى ما يقارب 70 بالمائة في أفريل 2016. كما زادت فرص العمل الدائمة ب39.43 بالمائة بين سبتمبر 2010 وأفريل 2016. وهي تمثل 41.05 بالمائة من إجمالي العمالة في أفريل 2016، مقابل 33 بالمائة من إجمالي العمالة في سبتمبر 2010. وعرف القطاع العمومي هو الآخر خلال الفترة 2010-2016، ارتفاعا في عدد المشغلين بنسبة قدرها 36.37 بالمائة. رغم ذلك، فإن أرقام الديوان المتعلقة بالخماسي الماضي، تشير إلى تفاوت في نسب البطالة من عام إلى آخر، وهو مايؤكد مدى جدية هذه الإحصاءات والتحقيقات، حيث انتقلت من 10 بالمائة في 2010 إلى 9.96 بالمائة في 2011، ثم عاودت الارتفاع لتصل إلى 11 بالمائة في 2012 ثم نزلت إلى 9.8 بالمائة في 2013 لتعود للارتفاع مجددا في 2014 و2015 مسجلة على التوالي 10.6 بالمائة ثم 11.2 بالمائة، لتتراجع في أفريل 2016 إلى مستوى 9.9 بالمائة. وفضلا عن الجهود التي بذلتها الوكالة الوطنية للتشغيل لتوفير مناصب عمل، فإن جهازي الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة ساهما بدورهما من خلال تمويل إنشاء المؤسسات في امتصاص جزء من البطالين. وتشير الأرقام التي تحصلنا عليها من وزارة العمل إلى أنه تم إنشاء 355.256 مؤسسة مصغرة خلال الفترة 2010-2015، بإمكانية توفير أكثر من 756.256 منصب شغل. وخلال السداسي الأول لسنة 2016، تم تمويل 13.286 مؤسسة مصغرة لها طاقة توفير أكثر من 28.774 فرصة عمل. وتفسر مصادرنا هذه النتائج الايجابية ب"الإجراءات التحفيزية الجديدة لاسيما الإعفاءات الضريبية وشبه الضريبية وتخفيض المساهمة الشخصية في إحداث المشاريع المصغرة، وتوسيع مستوى تخفيض معدلات الفائدة على القروض البنكية إلى 100%، إضافة إلى تقديم قروض بدون فوائد إضافية لتغطية تكلفة استئجار محلات أو الحصول على تجهيزات خاصة، فضلا عن تخصيص حصة من العقود العمومية المحلية إلى المشاريع الصغرى، وهو الإجراء الذي كان موضوع أحكام المادة 87 من قانون الصفقات العمومية. تسجيل عجز في 239 مهنة في السداسي الأول 2016 بالرغم من "إيجابية" الأرقام التي استعرضناها، فإن إشكالية هامة مازالت تشكل انشغالا لدى السلطات العمومية وهي قابلية تشغيل الشباب الوافدين على سوق الشغل أو توفر الكفاءات المطلوبة في سوق العمل، خاصة في السياق الحالي المتميز بسرعة الابتكارات التكنولوجية وتزايد التنافسية، الأمر الذي يتطلب يدا عاملة عملية وذات إنتاجية عالمية. ومواجهة هذا الاشكال، فإن مصادرنا من وزارة العمل، ترى بضرورة "زيادة عرض التكوين وتنويع الاختصاصات التكوينية لتلبية احتياجات السوق"، إضافة إلى "أهمية تقديم تحفيزات للهيئات المستخدمة لتصبح أكثر انخراطا في عملية تكوين اليد العاملة". وتؤكد الأرقام وجود تفاوت بين نوعيتي العرض والطلب في سوق العمل الجزائرية، التي تشير إلى تسجيل 239 مهنة عرفت عجزا في سوق العمل خلال السداسي الأول من سنة 2016، وهو مايعادل 101.867 منصب عمل ضائع، منها 23.820 منصب يتعلق بمهن البناء والأشغال العمومية(خاصة المهن اليدوية التي لا تتطلب تأهيلا كبيرا) وكذا الهندسة المدنية والري بنسبة 23.38 بالمائة من العرض الإجمالي، و19.055 منصب عمل من مهن الصناعة التي تمثل 18,70 بالمائة من العرض الإجمالي، ثم تأتي مهن الخدمات والسياحة في المرتبة الثالثة ب14.864 منصب عمل، أي بنسبة 14.60 بالمائة من إجمالي العروض. كما تم إحصاء 181.067 طالب عمل وجدوا صعوبة في ولوج سوق العمل، خاصة في المهن الاقتصادية والإدارية والقانونية التي تمثل نسبتها 28 بالمائة. وتعمل وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي عبر التنسيق مع وزارة التكوين التعليم المهنيين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تكامل بين المجال التكويني والمتطلبات الجديدة بسوق العمل، بغرض تكييف التعليم والتكوين المهني مع التطورات الحاصلة للحد من نسبة البطالة لاسيما لدى الشباب المتخرجين. كما تتم مواجهة المشكلة عبر "تفعيل جهاز المساعدة على الإدماج المهني للشباب حاملي الشهادات"، "التّوجيه المهني لطالبي العمل"، و"مساعدة ومرافقة الشباب أصحاب المشاريع في إحداث المشاريع المصغرة"، إضافة إلى "الإعلام والتّوجيه المهني عبر النظام المعلوماتي والمدونة الجزائرية للمهن والوظائف".