تشارك دار "الألمعية للنّشر والتوزيع"، في معرض الجزائر الدولي للكتاب بداية من 29 أكتوبر المقبل، بقائمة منوّعة من الكتب بينها دراسة للباحث الإعلامي محمد كاديك، بعنوان "قصة الملك سيف التيجان، دراسة أجناسية"، لتكون أوّل منتج معرفي يهتم بالنّظرية الأجناسيّة في المكتبة الجزائرية. يتم تطبيق ثلاث مقاربات خاصة بالدراسات الملحمية على نصّ سيري (سيرة) جزائري، حققه الدّكتور شريف مريبعي، ونشر لأول مرة ضمن احتفالية "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية". تنضوي "قصة الملك سيف التيجان" تحت لائحة قصص البطولة الخارقة، وتبدأ بحديث عن عبد الملك بن مروان، يضعها في إطار تاريخي ثم لا يلبث ذلك الإطار أن يتلاشى حين تبدأ القصة في بلاط الملك "شرحبيل" صاحب بلاد "الباسقات"، وقد جمع وزراءه وأعيان مملكته يطلب منهم أن يقترحوا عليه فتاة جميلة يتزوّجها أملا في وريث للعرش، فيقترح "ليث القصور" أميرة حسناء تدعى "صاعقة الحروب" فيرسل الملك شرحبيل في خطبتها، ويتمّ الزواج ويرزق الوالدان الملكان صبيا يُسمى "سيف التيجان"، وهو الصّبي الذي يحاط مولدُه بكثير من الأخبار العجيبة، ويتعرض إلى مصاعب تحضّرها له الحياة إلى أن يتولى الحكم ويخوض معارك كبرى يجسّد أثناءها القيم الإنسانية في أسمى معانيها، ويقول صاحب الدراسة محمد كاديك، إن تحقيق الدكتور شريف مريبعي ل"قصة الملك سيف التيجان" "جاء بإضافة لها أهميتها الكبيرة بالنسبة لخزانة التّراث الجزائرية"، خاصة وأن الباحثين على اختلافهم "تعارفوا على أن البلاد المغاربية لم تنتج السّير"، ووطّنوا الرأي على أن "الشرق عرفان والغرب برهان"، لتأتي "سيف التيجان" فتهدم هذه النّظرية وتفرض إعادة النّظر إلى قسمة (عرفان/برهان) التي تواطأ عليها الدّارسون والنّقاد العرب. قدّم الباحث محمد كاديك، لدراسته الأجناسية بتمهيد خصصه ل"النّظرية الأجناسية" وتتبّع تطوّر النّظرية بداية من كتاب "فن الشعر" عند أرسطو إلى غاية العصر الحديث مرورا بالكلاسيكيين والرومانسيين، ثم أشار إلى أن نظرية الأجناس الأدبية لم تحظ بعناية قدماء النّقاد العرب لأسباب موضوعية، ليخصّص الفصل الأوّل للنّظر في مفهوم "الملحمة" كما تأسست في الدراسات الغربية، ثم يعود إلى التراث العربي ويبحث في طبيعة الأدب الشفاهي، ويستخرج منه طبيعة الفروق التي تميّز الجهاز المفاهيمي لكل دائرة أدبية ليعمّق البحث إلى "مرجعيات الأعمال الملحمية"، ويتحدث عن الخصائص النصية للعمل الملحمي ومكوناته الشكلية ووظيفته وفق ثلاث مقاربات تمكّن بفضلها في الفصل الثاني - من استخراج مميّزات النص العميقة، وتصنيفه بما يقابله من أعمال إنسانية خالدة ضمن الأصناف المتفق عليها في الدراسات الملحمية، ولقد عاد الباحث إلى مناقشة مختلف الظروف التاريخية التي تطوّر فيها نص "قصة الملك سيف التيجان" إلى أن بلغ صورته التي اكتملت من المخطوط الذي حققه الدكتور شريف مريبعي. أما الفصل الثالث فهو مثير للغاية لأنه يعقد مقارنة بين النّسخة الجزائرية من "قصة الملك سيف التيجان"، و"أنشودة رولاند"، ويقابل من العملين الملحميين على المستويات النصية والقيمية ولكنه ركّز المقارنة على طبيعة "الحدث الحربي" بين النّصين، ودرس الأركان التي يعتمد عليها (السلطة - البطل - المسار البطولي - الهدف) ليتجلى التطابق بين النصين في استعمال نفس القوالب الملحمية، إلا أن "قصة الملك سيف التيجان" تقدم أدلّة على أنها أقرب إلى روح الإنسانية من "أنشودة رولاند"، بل إن الأنشودة تحتفظ بروح القرون الوسطى مقارنة ب"سيف التيجان" التي تتعالى إلى القيم الإنسانية السامية. بقي القول إن الدراسة الأجناسية التي ستصدر عن "الألمعية" بمناسبة معرض الجزائر الدولي للكتاب ستكون إضافة هامة للمكتبة الجزائرية، ووضعها في متناول الطلبة والباحثين سيفتح آفاقا جديدة للدراسات الأجناسية بالجزائر.