احتضن قصر الثقافة والفنون لمدينة سكيكدة، مؤخرا، الاحتفالية الخاصة بأربعينية المفكر والفيلسوف والعالم المرحوم مالك شبل، الذي انتقل إلى رحمة الله في 12 نوفمبر 2016 عن عمر ناهز 63 سنة بعد مرض عضال أدخله إلى مستشفى باريس لفترة قاربت ثمانية أشهر، بحضور عدد من رفقاء الفقيد من أستاذة وأدباء وأكاديميين إضافة إلى أصدقائه وأفراد عائلته في مقدمتهم ابنه ميكائيل رئيس مؤسسة مالك شبل للثقافة والمعرفة (قيد التأسيس). وفي هذا السياق، أشار ميكائيل شبل، في كلمة ألقاها بالمناسبة إلى الجهود الكبيرة التي بذلها والده المرحوم طيلة 30 سنة من الأبحاث والجهود من أجل إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام التنويري المتسامح والمتحاور مع كل الحضارات، وبعد أن جدد العهد بمواصلة جهود والده فيما يخص إسلام التنوير، أعلن عن تنظيم ملتقى دولي سنوي يخصص لأفكار المرحوم، إضافة إلى تنظيم مسابقة دولية ستحمل اسمه. إسلام الأنوار في مواجهة زمن الظلام أما الدكتور واسيني الأعرج، ومن خلال الرسالة التي أرسلها بمناسبة تأبينية العالم والفيلسوف مالك شبل، والتي قرأها نيابة عنه الدكتور عيساني محمد الطاهر، فقال بأن جهود الباحث الكبير والنشيط، المرحوم مالك شبل تحيلنا بالضرورة إلى سلسلة من التأملات تخصّ الذات التي ارتبكت هويتها، وتخص أيضا المجتمع العربي والإسلامي بكل تعقيداته وصعوباته التي تمس كيانه الجوهري، وكذا هزائمه المتكررة التي تشق الداخل قبل أن تتمظهر خارجيا في شكل حروب جرت وراءها سيول الشهداء بلا فائدة كبيرة. وأضاف أن اجتهاد المرحوم مالك شبل صاحب "إسلام التنوير"، يندرج ضمن هذا التقليد الثقافي الإنساني الكبير، وهو الاجتهاد في الظل لتجاوز محن الحاضر، معترفا بأن عمله المعرفي الموسوعي لم يكن سهلا البتة داخل هذه المنظومة من الأفكار المتنافرة، والصراعات المعلنة وغير المعلنة، وكذا في ظل الضغائن والتقتيل الذاتي في حرب غير مسبوقة، وهي السلسلة من الحقائق المركبة والقاسية التي اشتغل فيها المرحوم مالك شبل، غاصا فيها من أجل البحث عن نموذج آخر للإسلام، أكثر حيوية ودينامكية وارتباطا بالعصر. كما أكد بأن الموت وللأسف لم يمهله الوقت الكافي للانتهاء من مشروعه الموسوعي، العلمي والحضاري والنضالي أيضا، في ظل حرب ضروس تميزها التطرفات المتأتية من كل الجهات، معترفا بأن المرحوم مالك شبل سيبقى واحدا من أهم المنظّرين لإسلام الأنوار، والمدافعين عن إسلام المحبّة والتسامح والعلمي، والحياة والتعدد الثقافي، في عالم يسيطر عليه الاختزال والنماذج الجاهزة التي تميل نحو خطابات التخويف السهلة. وعن كتابات المرحوم، قال الدكتور واسيني الأعرج، من خلال رسالته بأن مالك شبل قد ترك لقرائه قبل وفاته سلسلة من الدراسات العلمية الحفرية في تاريخ الحقبة الإسلامية في لحظات تنورها وإبداعها، منها بحثه الكبير "العبودية في أرض الإسلام"، الذي أظهر فيه صورة الإسلام التّحرري، فمنح للمستعبَد فرصة أن يتمتع بالحرية والحق في الحياة كما الجميع ولكن هذا لم يمنع للأسف العبودية من الاستمرار في المعتقد الإسلامي من حيث الممارسة. كما أظهر من خلال كتابه "الإسلام لغير العارفين" جوهر دين جاء ليصلح الخلل البشري في الحكم والتعامل مع الآخر كما ترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية، بوصفه النص المرجعي المهم، المشبع بالقيم الإنسانية، ترجمة اعتمدت مسارين، انفتاح النص والتأويل الذي وسع من الرؤى التي وفرها النص القرآني والخبرة الحياتية في مدينة الإسلام، وفيما يخص كتابه" بيان من أجل إسلام الأنوار"، قال عنه الدكتور واسيني الأعرج، بأنه واحدا من أهم منجزاته التي جسد فيه رؤيته الفكرية للإسلام في عالم غربي مرتبط بالجاذبية ونقيضها كيف يمكن للإسلام أن يستوعب القيم الإنسانية الموجودة فيه ويشيعها. واختتمت الاحتفالية بتقديم شريط يلخص المسار الحياتي والعملي والإبداعي والفكري للراحل من ولادته إلى غاية ما قبل وفاته، ليقوم بعدها فرع اتحاد الكتاب الجزائريين مكتب سكيكدة، بتكريم عائلة الفقيد ومن ثم تم الإعلان الرسمي عن ميلاد مؤسسة مالك شبل للثقافة والمعرفة. نحو إطلاق اسمه على قصر الثقافة بسكيكدة من جهته، كشف رئيس المجلس الشعبي الولائي لسكيكدة، عن المساعي الحثيثة لتسمية قصر الثقافة والفنون بعاصمة الولاية، باسم المرحوم مالك شبل وذلك تجسيدا لتوصيات وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي.