تبدأ الأحزاب والمترشحون على وجه التحديد اليوم معركة الاقناع واستقطاب أصوات الناخبين، وقبل ذلك حث المواطنين على التصويت. الحملة الانتخابية تنطلق اليوم رسميا إذن في تجمعات وعمل جواري لحصر أكبر عدد من الأصوات وإقناع الناخبين بأهمية المشاركة القوية في هذا الموعد السياسي، خاصة في سياق زمني عصيب تمر به المنطقة والعالم بأكمله، وتستدعي من جميع الوطنيين دعم الإستقرار وتثمين المكاسب المحققة في المجالات الأمنية والسياسية. هذه الانتخابات تأتي في ظل الضمانات غير المسبوقة التي تتميز بها هذه التشريعيات المتوجة لمسار تعميق الإصلاحات السياسية، وإقرار دستور جديد يكفل بشكل ثابت كافة المبادئ الأساسية لترقية الممارسة الديمقراطية، على غرار حماية حقوق المعارضة السياسية واستحداث هيئة دستورية عليا مستقلة تعنى بمراقبة الانتخابات... الضمانات المكرسة في الدستور والقانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي، وكذا في مختلف المراسيم التنفيذية التي تم إصدارها بمناسبة موعد 4 ماي القادم، عززها الحرص المعلن من قبل السلطات العليا في البلاد على ضمان الحياد التام في هذا الموعد الانتخابي، بداية بتكليف شخصية سياسية من المعارضة، ممثلة في شخص عبد الوهاب دربال الذي تحقق حوله قبول غالبية الطبقة السياسية، برئاسة الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات، وصولا إلى قرار رئيس الجمهورية بإحالة الوزراء المرشحين على العطلة بداية من نهار أمس، تكريسا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين كل المترشحين.. 22 يوما لاستقطاب الناخبين تدشن الأحزاب السياسية والقوائم الحرة ابتداء من اليوم وطوال 22 يوما حملتها الدعائية لانتخابات 4 ماي القادم، حيث سيفسح المجال خلال 22 يوما من عمر الحملة الانتخابية التي تمتد من 9 إلى 30 أفريل الجاري، بالتأكيد سيكون التنافس بالخطابات والأفكار والبرامج التي تحملها كل تشكيلة من التشكيلات التي قررت خوض غمار هذا المعترك الانتخابي الهام. وسيسعى منشطو هذه الحملة الانتخابية الذين يمثلون 940 قائمة، منها أزيد من 840 قائمة حزبية و98 قائمة حرة، إلى تسويق برامجهم وتصوراتهم للناخبين، وتحسيس الشعب الجزائري عامة، بأهمية المشاركة الواسعة في هذا الاستحقاق وضرورة إسماع صوته في هذا الاقتراع الوطني الذي يعتبر محطة هامة ومفصلية بالنظر إلى الظروف العامة التي تحيط بالبلاد على المستويين الداخلي والخارجي، وبالنظر أيضا لما يحمله هذا الموعد من رهانات كبيرة في مسار دعم الأمن والاستقرار والتحديات الراهنة، فضلا عما يحمله هذا الاستحقاق من أهمية خاصة بالنسبة للمترشحين، المتنافسين على 462 مقعدا نيابيا، والمطالبين بكسب ثقته وتمثيله في الهيئة التشريعية الوطنية خلال السنوات الخمس المقبلة. ضمانات غير مسبوقة للحياد والنزاهة من العوامل الأساسية التي تميز سادس انتخابات تشريعية تنظمها الجزائر منذ دخولها عهد التعددية الحزبية، الإجماع شبه الكلي الحاصل بين الأحزاب السياسية المشاركة في هذا الموعد السياسي، حول توفر أكبر قدر من دعائم النزاهة والشفافية والحياد المطلوبة لتكريس حرية الممارسة الديمقراطية، وإضفاء المصداقية على الخيارات السيادية للشعب، بدليل أن الموعد الانتخابي الذي تقبل عليه الجزائر يعرف بخلاف سابقيه مشاركة أحزاب سياسية عرفت في السابق بمقاطعتها لمثل هذه المواعيد، بدافع التشكيك المسبق في نزاهتها. السلطات العمومية، لم تتردد في إعطاء توجيهات وأوامر جاءت على الخصوص من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بضرورة توفير كافة الوسائل والإمكانيات التي يقتضيها ضمان نجاح العملية الانتخابية من جهة، وضمان مبادئ حياد ونزاهة ومصداقية الإدارة طوال هذه العملية من جهة أخرى. وعززت وزارة الداخلية عملها التحضيري لهذا الموعد الانتخابي، بوسائل تقنية وتكنولوجية متطورة، سمحت لأول مرة في الجزائر، بإجراء تطهير دقيق للقوائم الانتخابية، من خلال شطب أزيد من 730 ألف اسم لناخبين متوفين أو مزدوجي التسجيل. حرص ثابت على تتويج الإصلاحات وتعزيز الديمقراطية حرص السلطات العليا في البلاد على جعل التشريعيات القادمة، محطة مميزة في تكريس الديمقراطية وتثمين مسار التعددية الذي خاضته الجزائر منذ دستور 1989، يجد سنده القوي في اعتبارها أول امتحان حقيقي لإصلاحات سياسية عميقة بادر بها الرئيس بوتفليقة في 2011، وأثمرت تعديلا دستوريا شاملا، يعيد بناء الدولة الجزائرية وفق الأسس السليمة التي يقتضيها مسار بناء دولة الحق والمساواة والقانون، وتقويم معالم الجمهورية الديمقراطية بمنهجها السياسي والمتضامنة بطابعها الاجتماعي، والسيدة بثوابتها الوطنية وبخيارات شعبها. اعتبار لهذه الغاية السامية، عمدت السلطات العليا في البلاد إلى تكريس الممارسة الديمقراطية الحقيقية في الدستور الجديد، من خلال استحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، وتكريس حقوق المعارضة السياسية، المدعوة إلى لعب دور أكبر في توجيه السياسات الكبرى للبلاد، خاصة عبر ترقية دورها في الهيئات التشريعية الوطنية. كما نص الدستور الجديد على وجوب إسهام جميع الفعاليات الوطنية في ترقية الديمقراطية التشاركية، التي تعطي حيزا واسعا للمواطن في تسيير شؤونه. استكمالا لحرصه على مبادئ الحياد والمصداقية في المواعيد الانتخابية، عمد رئيس الجمهورية إلى تعيين شخصية وطنية، ذات كفاءة وخبرة سياسية مشهودة، وذات انتماء سياسي بعيد عن قطب الموالاة، لقيادة الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات. هذه الشخصية الممثلة في عبد الوهاب دربال والذي عرف بنضاله سابقا في حركة النهضة، لقت قبولا أو على الأقل عدم اعتراض من قبل غالبية الأحزاب السياسية المشاركة في تشريعيات ماي القادم، الهيئة إلى غاية اليوم أثبتت قدرتها على تسيير مختلف المراحل والمحطات الرئيسية التي قطعتها العملية الانتخابية لحد الآن، باعتراف ومباركة مؤكدتين من قبل منشطي العرس الانتخابي ذاتهم، سواء خلال عمليات القرعة التي نظمتها الهيئة على المستويين الوطني والمحلي، من أجل ضبط الأرقام الترتيبية والأرقام التعريفية للقوائم، أو بعدها أثناء عمليتي القرعة المتعلقتين، بتوزيع الفضاءات العمومية الخاصة بالتجمعات وتوزيع الحيز الزمني لتدخلات المترشحين عبر وسائل الإعلام العمومية في إطار الحملة الانتخابية. كما أثبتت هيئة دربال جدارتها وصدق التزاماتها بالمهام المنوطة بها، من خلال ضبطها للتلاعبات التي ميزت عملية جمع التوقيعات من أجل الترشح، وإحالة المخالفين للقواعد المنظمة لنزاهة الانتخابات على العدالة، فضلا عن مرونتها في التعامل والتواصل مع الأحزاب السياسية، وهذا ما زاد في ثقة الأحزاب والمرشحين لموعد 4 ماي في هذه الهيئة التي تعتبر تجربة يمكن تعزيزها ودعمها مستقبلا. إبعاد الوزراء المرشحين عن المهام الحكومية تكريسا لتكافؤ الفرص علاوة على الضمانات التي حملتها النصوص التشريعية والقانونية، والمدرجة في الدستور الجديد وقانون الانتخابات بشكل أساسي، لاسيما منها تلك التي تكفل للأحزاب السياسية حق تفويض ممثلين عنها لمراقبة الاقتراع على مستوى مكاتب التصويت، جاء قرار رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بإحالة 6 وزراء مرشحين على العطلة، ليؤكد حرص السلطات العليا في البلاد على ضمان الحياد وتكافؤ الفرص بين جميع المترشحين للانتخابات القادمة، وليبعث رسالة تطمين لكل الأحزاب المشاركة في هذا الموعد، خاصة منها تلك التي سبق وأن أبدت تخوفها من عدم تكافؤ الفرص في التعامل مع المترشحين، وتمكين الوزراء منهم من استغلال وسائل الدولة، ومن تعاملات منحازة من قبل السلطات المحلية. تشريعيات تحت مجهر الملاحظين الدوليين تعزيزا لحرصها على ضمان الحياد ونزاهة الانتخابات التشريعية القادمة، وجهت الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وكذا الجهات الرسمية الوطنية، دعوات للهيئات الإقليمية والدولية لإيفاد بعثاتها الخاصة بمعاينة ومراقبة هذه الانتخابات. حيث أكد السيد دربال في هذا الخصوص موافقة كل من الإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي على دعوة الجزائر، وأشار في نفس السياق إلى موافقة الجامعة العربية على الدعوة وقرارها إرسال 110 ملاحظين لهذا الموعد الوطني، معتبرا ذلك دليلا آخر على ثقة الهيئات الدولية في الجزائر وحرصها على توفير كل الضمانات اللازمة لانتخابات حرة ونزيهة. الكرة في مرمى المترشحين هذه الجهود والضمانات، حرصت السلطات العمومية على توفيرها بالكامل، لتكريس الممارسة الديمقراطية وتجذير العمل السياسي في الجزائر أولا، وثانيا لطمأنة المترشحين حول التزام الدولة ومؤسساتها بضمان المساواة والحياد. الكرة اليوم في مرمى الأحزاب السياسية والقوائم الحرة المنشطة للحملة الانتخابية التي تنطلق هذا الصباح رسميا. فيما توحي كل المؤشرات والمعطيات التي ارتبطت بالعمل التحضيري الذي خاضته الأحزاب السياسية من أجل هذا الموعد، وكذا الظروف التي ميزت نهاية العهدة النيابية الأخيرة، بأن هذه الحملة ستكون ساخنة، على نقيض ما اعتبرته بعض الجهات أنها ستكون هادئة وترتكز على التعريف بالبرامج والأفكار والتصورات فقط. توقعنا بأن تكون الحملة ساخنة، نستمده من الظروف التي ميزت تحضير قوائم المترشحين من قبل بعض الأحزاب السياسية التي عرفت بسيطرتها على المشهد السياسي، وحالة الغليان التي عرفتها هذه العملية، خاصة بالنسبة للتشكيلات التي عمدت إلى تغيير وجوه ورؤوس قوائمها، واستبدال نوابها السابقين، بفرسان جدد، مراعاة لميل الناخبين الدائم إلى التغيير.. كما يوحي، استعداد بعض التشكيلات السياسية المحسوبة على المعارضة السياسية على تبني خطاب النقد والتهجم على الخيارات التي تبنتها الأحزاب المشاركة بقوة في الحياة السياسية للبلاد، معطيات تنبئ بأن الحملة لن تكون هادئة بالمرة، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والذي لن تتخلف أحزاب المعارضة عن توظيفه لفضح منافسيها، وتوظيفه لصالحها خلال مرافعتها للتصورات والسياسات البديلة التي تقترحها لهذا الموعد. وكل هذا يندرج طبيعيا في عمل الأحزاب وفي تكريس استقلالية المواقف واختلاف الآراء وحرية التعبير والرأي. هاجس العزوف يوحد التحدي المطروح أمام المترشحين مهما تباينت اللغة التي ستتبناها كافة التشكيلات المنشطة لهذه الحملة الانتخابية، على اختلاف ألوانها وانتماءاتها الإيديولوجية وبرامجها وأفكارها، فإن رسالتها الأولى إلى الشعب الجزائري، ستلتقي بالتأكيد في نقطة رئيسية تشكل التحدي الأكبر بالنسبة لها، ولمستقبل البلاد بشكل عام. التحدي يتمثل في السعي إلى تقليص نسبة العزوف الانتخابي الذي عادة ما تشهده الانتخابات التشريعية في الجزائر كغيرها من البلدان، بالنظر إلى اعتبارها أقل تأثيرا بالنسبة للمواطن مقارنة بالانتخابات المحلية أو الرئاسية. كل التشكيلات والقوائم المنشطة للحملة الانتخابية ستعمل على تخطيه بالإقناع عبر التحسيس والتوعية بأهمية التصويت والمشاركة القوية في هذا الموعد السياسي والعمل على إقناع الهيئة الناخبة التي يتجاوز عددها ال23 مليون ناخب، بضرورة المساهمة الإيجابية في تحديد مستقبل وطنها وإسماع صوتها، مدعمة دعوتها هذه بالتأكيد على حساسية الظرف السياسي الذي تمر به البلاد، وصعوبة الوضع الأمني الذي تجتاحه المنطقة، وحاجة الجزائر إلى التصدي لكل التأثيرات الخارجية بالتكاثف والتآزر بين جميع أبنائها، فضلا عن إقناع الناخب بأن صوته لن يضيع وخياره سيكون السيد في تحديد نتائج هذا الاستحقاق، وفي تشكيل الخارطة السياسية القادمة.