زادت شهادة وزير الداخلية الفرنسي، جيرار كولومب، التي أدلى بها أمام لجنة القوانين في غرفة النواب الفرنسيين أمس، بخصوص ما أصبح يعرف بفضيحة "بن علا غايت" في تعقيد موقف قصر الإليزي، وجعلت الرئيس إيمانويل ماكرون يجد نفسه في قلب هذه الفضيحة التي حاول التكتم عنها رغم خطورتها. ومنذ بداية جلسة الأسئلة التي تهاطلت عليه، نفى الوزير كل مسؤولية لمصالحه في هذه الفضيحة وألقى باللائمة على مصالح الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قال إنه كان يتعين عليها طرد ألكسندر بن علا من منصبه كمستشار أمني لدى رئيس الجمهورية، مباشرة بعد علمها بالجرم الذي اقترفه وإخطار النائب العام بما بدر منه من تجاوز لمسؤوليته لمتابعته جنائيا. وقال كولومب في جلسة الاستماع التي امتدت على مدى ساعتين ونصف إن مسؤوليته انتهت بمجرد إرساله مذكرة رسمية إلى مدير ورئيس ديوان الرئاسة اللذين كان يتعين عليهما إبلاغ النائب العام بالحادثة وفق المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه يتعين على كل موظف إخطار النائب العام بجنحة أو جريمة بمجرد علمه بها. وأضاف أن مصالحه أخطرت في نفس اليوم مدير شرطة باريس، محترمة في ذلك السلم الإداري في التعامل مع هذه القضايا على اعتبار أن قصر الإليزي يبقى أعلى سلطة مخولة لاتخاذ كل الإجراءات التي يراها مناسبة سواء في جانبها الإداري أو القضائي. وأضاف أمام أعضاء لجنة القوانين البرلمانية، التي تحولت إلى لجنة تحقيق، في سابقة أكدت خطورة الجرم المقترف، أنه متمسك بإلقاء الضوء على هذه الواقعة والتعاون مع كل التحقيقات التي انطلقت، بكشف كل الحقيقة والدوافع التي جعلت مستشارا أمنيا يتصرف بتلك الطريقة في حق مواطن بسيط. يذكر أن فضيحة بن علا انفجرت الأربعاء الماضي، عندما أكد مقال مطول لصحيفة "لوموند" الواسعة الانتشار وجود شريط فيديو يظهر فيه المستشار الأمني للرئيس ماكرون بالزي الرسمي للشرطة الفرنسية وهو ينهال ضربا على مواطنين بمناسبة الاحتفالات باليوم العالمي للشغل المصادف ليوم 1 ماي الماضي. وكان وقع المقال مدويا في كل فرنسا وإدخالها في دوامة فضيحة سياسية وضعت الحكومة والرئاسة الفرنسيتين في أزمة سياسية خانقة لم يسبق للرئيس ماكرون أن واجهها منذ توليه منصبه قبل عامين. وكان يمكن الانتهاء مع تداعيات هذه الفضيحة في حينها، لولا أن مصالح الرئاسة الفرنسية حاولت التكتم عنها واكتفت بتوقيف ألكسندر بن علا عن العمل لمدة أسبوعين، عاد على إثرها للظهور إلى جانب الرئيس ماكرون وحرمه في عديد المناسبات الرسمية وكأن شيئا لم يكن. وهو السكوت الذي استغلته المعارضة الفرنسية التي وجدت في مثل هذا التصرف طريقا لإشباع الرئيس ماكرون وحكومته سيلا من الانتقادات الحادة والتي زادت حدتها بعد أن تأكدت أن طرد مقترف الاعتداء لم يتم إلا يوم الأربعاء الماضي بعدما نشرت الصحيفة الفرنسية المذكورة وجود تلك الصور. وجاءت تصريحات وزير الداخلية لتزيد في توريط مصالح الرئاسة الفرنسية ضمن تداعيات قد تصل ارتداداتها إلى شخص الرئيس ماكرون الذي علم بما جرى ولكنه فضل انتهاج سياسة التكتم ولم يشأ اتخاذ أي إجراء عقابي يتماشى مع الجرم المقترف من طرف أحد مسؤولي الأمن المقربين، تجرأ على ضرب مواطن وانتحال صفة شرطي بدون أي وجه حق. كما تؤكد حجم الفضيحة وأيضا تداعياتها الكارثية على تجانس السلطة الفرنسية في أعلى هرمها لتكتمها على مثل تلك التجاوزات التي وقعت في حق مواطن من طرف مسؤول كان يفترض أن يكون مدافعا عن الحق وقوانين الجمهورية الفرنسية. وهو ما وضع كل فرنسا في أزمة سياسية لم يسبق للرئيس الفرنسي أن عرف مثيلا لها منذ توليه السلطة في سنة 2016. وقد استشعر الرئيس ماكرون حجم الفضيحة مما جعله يدعو إلى اجتماع طارئ في قصر الإليزي، ضم الوزير، الأول إدوارد فيليب ووزير الداخلية جيرار كولومب والناطق باسم الحكومة، بنجامين غريفو ووزير العلاقات مع البرلمان، كريستوف كاستانير لبحث الموقف وتداعياته المباشرة على صورة الرئيس ماكرون. وتأكد أمس، أن الاستماع لوزير الداخلية يبقى مجرد حلقة أولى في سلسلة جلسات الاستجواب التي ستقوم بها هذه اللجنة، حيث سيأتي الدور يوم الخميس القادم على الأمين العام لقصر الرئاسة ألكسيس كوهلر أحد أقرب المقربين من الرئيس ماكرون قبل استماعها لمدير ديوان الرئاسة كريستوف باتريك.