* email * facebook * twitter * linkedin أكد الوزير الأول عبد العزيز جراد، أن الحكومة ستجعل من استرجاع ثقة الشعب في الدولة من الأولويات الأساسية لنجاح مخطط عملها في الميدان، موضحا من جانب آخر بأن هذا المخطط سيعتمد في تمويله على آليات داخلية يتم ضبطها بدقة في قوانين المالية على المدى القريب المتوسط والبعيد، في ظل مقاربة متكاملة تستند لترشيد الإنفاق وترتيب الأولويات، في حين سيتم حسبه الاعتماد على الآليات الأممية لاسترجاع الأموال المهربة نحو الخارج. وإذ حرص السيد جراد على تفنيد تخلي الدولة عن مرضى السرطان، فقد اتهم بعض الأطراف بإخراج تصريح وزير الصحة عن سياقه. وقد صادق نواب المجلس الشعبي الوطني أول أمس، بالأغلبية على مخطط عمل الحكومة - باستثناء حركة مجتمع السلم - بعد جلسات نقاش دامت ثلاثة أيام كاملة. وتميزت جلسات مناقشة مخطط عمل الحكومة بالتزام كبير من قبل النواب، بدليل قلة الغيابات وتسجيل عدد معتبر من التدخلات، مع اعتماد طريقة المواجهة بين النائب المتدخل والحكومة بقراءة المداخلة لأول مرة من المنصة الرئيسية وليس من مقعد النائب، ما أضفى نوعا من الحيوية على المداخلات وسمح للطاقم الحكومي بالتعرف على نواب الشعب مباشرة، لا سيما بالنسبة لأعضاء الحكومة غير المتحزبين. كما أتاحت عملية توسيع وقت التدخل إلى 7 دقائق، بدلا من 5 دقائق، فرصة أكبر للنواب في تناول المخطط بأريحية والتعبير عن انشغالاتهم حول النقاط التي لم يقتنعوا بها. بالإضافة إلى ذلك، فقد خرج النواب هذه المرة من دائرة التثمين والإشادة، وكانت مداخلاتهم موضوعية إلى حد ما، حيث ركزت على ما تضمنه المخطط بعيدا عن أي حسابات سياسوية. الوزير الأول يثني على "وطنية" النواب وأثنى الوزير الأول، على مصادقة النواب بالمجلس الشعبي الوطني أول أمس، على مخطط عمل حكومته، حيث أشاد بما وصفه ب"الوطنية العالية" للنواب، متعهدا بتعاون الحكومة في عملها مع كل مؤسسات الجمهورية وفي طليعتها البرلمان، "في كنف الجمهورية الجديدة". وقال السيد جراد مخاطبا النواب، "بكل صدق، لقد تعلمت الكثير من وطنيتكم ومن يشكك في البرلمان فهو مخطئ تماما"، معربا عن أمله في الالتقاء بالنواب في الميدان من أجل بناء "جزائر شامخة والحفاظ على الدولة الوطنية التي ضحى من أجلها الشهداء والوطنيين". قبل ذلك، رد الوزير الأول على الانشغالات والتساؤلات التي عبر عنها النواب خلال الأيام الثلاثة التي استغرقتها مناقشات مخطط عمل الحكومة، حيث استهل رده، بالتأكيد على أمرين أساسيين، يتعلق الأول باسترجاع ثقة الشعب، التي قال إنها الأساس في إنجاح أي برنامج، موضحا بأن هذا المسعى، سيتم من خلال معالجة مباعث ودواعي اهتزاز ثقة الشعب في الدولة، حيث اعتبر "المكاشفة والمصارحة" من أهم الأوراق التي ينبغي اعتمادها في التعامل مع الشعب، فضلا عن مواصلة تعزيز المساءلة والمحاسبة، مع ردع الفاسدين والمقصرين بدون هوادة. أما الأمر الثاني الذي تطرق إليه الوزير الأول، فيربط بتساؤلات النواب حول آليات تمويل وآجال تنفيذ مخطط عمل الحكومة، حيث أكد بأن "المخطط ليس برنامجا تنمويا، بل يتضمن سياسات عامة لتنفيذ برنامج رئاسي على مدى 5 سنوات، سيتم تنفيذه على المدى القصير المتوسط والبعيد وفق مقاربة متكاملة قوامها ترشيد النفقات وإعادة ترتيب الأوليات، في إطار قوانين المالية التي تحدد الآجال وتضبطها. وأشار في هذا الصدد إلى أن الجزائر تفتقر لحد الآن لسجل خاص بالإحصائيات الاقتصادية والاجتماعية، والذي يتم على ضوئه تسطير جميع السياسات العمومية وتدقيقها. تمويل المخطط سيكون داخليا بضوابط قوانين المالية وبدد السيد جراد شكوك النواب بخصوص إمكانية نجاح تنفيذ مخطط عمل الحكومة برده على التساؤلات التي أثاروها بشأن آليات التمويل، حيث أكد أن المخطط سيعتمد على آليات التمويل الداخلية، التي تشمل رفع حصص التمويل الجبائي من خلال رفع التحصيل وتعبئة المدخرات المالية، مع استقطاب الكتلة المالية الضخمة المتداولة بالسوق الموازية والتي قدر قيمتها بنك الجزائر سنة 2017 ب47 مليار دولار. واعتبر الوزير الأول أن أحسن وسيلة لاستغلال هذه الكتلة النقدية، تكمن في "التطبيق الفعلي للصيرفة الإسلامية"، منتقدا في هذا السياق تخلي مسؤولين سابقين عن تنفيذ هذه الصيغة رغم الجاذبية التي تمثلها ونجاعتها في تمويل الاقتصاد الوطني، حيث قال في هذا الخصوص "هو الاتجاه الذي ستدعمه الحكومة، بالموازاة مع مواصلة مسار عصرنة الإدارة واعتماد التقييم السليم للسياسات العمومية، تفاديا لهدر المال العام، لاسيما الذي تتسبب فيه عمليات إعادة التقييم". الاعتماد على الآلية الأممية لاسترجاع الأموال المهربة إلى الخارج وفي حين اعترف الوزير الأول، بصعوبة مسار استرجاع الأموال التي هربت إلى الخارج، حصر الوسيلة الوحيدة التي يمكن اعتمادها في الوقت الحالي في مسعى استعادة هذه الأموال، في آلية الأممالمتحدة المتمثلة في اتفاقية مكافحة الفساد التي وقعت عليها الجزائر. وأشار في هذا الصدد إلى الشروط اللازم توفرها لتطبيق هذه الاتفاقية، على غرار أن تكون الأموال الموضوعة في الجنات الضريبية، "من عائدات الفساد ومعلومة المكان"، وأن يكون هناك "منطوق أحكام قضائية نهائية بشأنها" وأخيرا أن تكون هناك اتفاقيات للتعجيل بتطبيق هذا المسار، مذكرا بالمناسبة بأن جرائم الفساد في الجزائر غير قابلة للتقادم، مثلما تنص عليه المادة 54 من قانون مكافحة الفساد والوقاية منه. وإذ أوضح بأن وزارة العدل هي التي تسهر على تطبيق هذا المسار من أجل استرجاع الأموال المهربة نحو الخارج، أكد السيد جراد أن الجزائر ستعتمد على هذه الآلية القانونية، عملا بتجارب دولية سبقتها في هذا الشأن، حتى وإن استغرقت العملية وقتا طويلا بحكم تعقيداتها.. عدد الوزارات 28 وبقية كتابات دولة لتنسيق الحكومي وباعتبار توسيع عدد الحقائب الوزارية إلى 39 حقيبة شكلت القاسم المشترك لمداخلات العديد من النواب الذين استغربوا الإجراء في ظل الظرف المالي والاقتصادي الصعب، فقد تضمن رد الوزير الأول على انشغالات النواب، توضيحا، مفاده أن "العدد الحقيقي للوزارات هو 28 وزارة فقط، وهو نفس العدد الذي كان في الحكومات السالفة، مضيفا بأن بقية الحقائب هي وزارات منتدبة وكتابات دولة ليس لديها تنظيم وزاري مستقل وإنما عملها ينحصر في تنسيق العمل من أجل التكفل بانشغالات المواطنين وإعطاء دفع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية". وتعهد جراد في سياق آخر بمكافحة البيروقراطية عبر الآليات التي تناولها المخطط، منها اعتماد لامركزية القرار من أجل تحسين آداء الهيئات العمومية. لقاء الولاة والحكومة سيضبط الأولويات للقضاء على الفوارق التنموية في نفس السياق، أكد الوزير الأول أن لقاء الحكومة والولاة المقرر بداية من غد الأحد، سيحدد الأولويات وآجال التنفيذ بدقة، لتطبيق كل ما جاء في مخطط عمل الحكومة من جهة، ووضع النقاط الاستعجالية في صدارة الاهتمامات، ومنها تدارك الفوارق التنموية، لاسيما بمناطق الجنوب والهضاب العليا والمناطق الجبلية وضواحي المدن، بما فيها العاصمة، من أجل ضمان العيش الكريم للمواطن.. وتأسف السيد جراد لاعتقاد بعض النواب أن تلك الفوارق التنموية، خلفيتها التمييز وليس التأخر في استكمال البرامج وتنفيذ الوعود، معتبرا بأنه "لا يمكن للجزائر أن تسير بوتيرتين". وتعهد في هذا الصدد ببعث مشاريع تخص البنى التحتية والتجهيز ما أسماه "مناطق الظل"، أي التي تفتقر للمرافق والمهمشة، حيث سيتم حسبه تبني مقاربة تشاركية جديدة ومراجعة المدونة الوطنية للمشاريع المجمدة أو تلك التي لم تنطلق بعد، حسب الأولويات والعائدات الإجتماعية والاقتصادية وخصوصيات كل منطقة". إصلاحات اقتصادية جريئة تعتمد على الابتكار والمعرفة مواصلة لحديثه عن الشق التنموي، عبر الوزير الأول عن التزام الحكومة بتطبيق إصلاحات جريئة، لاسيما في القطاع الصناعي، من خلال الاعتماد على الابتكار والمعرفة، متعهدا باسترجاع العقار الصناعي المنهوب وغير المستغل، مع فتح مناطق صناعية جديدة وتكييف البرامج حسب خصوصيات المنطقة، مع مواصلة الدعم الفلاحي وإنشاء صناعة تحويلية بجوار أماكن النشاط. استكمال البرامج السكنية وإنجاز مليون وحدة في 5 سنوات وحول الانشغالات التي أثارها النواب بخصوص إمكانية إنجاز برامج سكنية جديدة، في ظل تعثر البرامج الجارية، وفي مقدمتها برنامج "عدل 2" وتسجيل رداءة النوعية في الإنجاز وتقاعس المقاولين، قال جراد: إن نظرة الحكومة تركز على مشاريع السكن الاجتماعي الريفي والإيجاري، كونها مشاريع موجهة لمحدودي الدخل، ويتم إنجاز حصص منها بالمناطق الصحراوية والريفية، مشددا على تبني الشفافية التامة في التوزيع حتى تذهب السكنات لمستحقيها وكذا محارية المضاربة العقارية والتشديد على النوعية في الإنجاز. الدولة لن تتخلى عن مرضى السرطان وتصريح بن بوزيد أخرج عن سياقه كما اغتنم الوزير الأول الفرصة، للرد على انشغال كبير عبّر عنه النواب المتدخلون، ويتعلق بعدم وجود علاج خاص بمرضى السرطان، وفقما فهم من تصريح وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، حيث أكد جراد في هذا الصدد بأن الدولة لن تتخلى عن مرضى السرطان، مذكرا برصدها سنويا 60 مليار دينار للوقاية من هذا المرض ومعالجة المصابين به، بمعدل 765 مليون سنتيم لكل مريض، قبل أن يلاحظ بأن "تصريح وزير الصحة أخرج عن سياقه"، مشيرا إلى أنه "كان موجها للمختصين وليس للرأي العام وكان ينصب في إطار نقاش علمي". وبعد أن ذكر بحزمة المشاريع الجديدة التي تخص إنجاز مراكز مكافحة السرطان عبر الوطن، منها تلك التي تم استلامها بكل من سيدي بلعباس، الجلفة، ورقلة، عنابة، سطيف وتيزي وزو، وأخرى ستسلم مستقبلا بأدرار، تيارت، بجاية وكذا مستشفى ولاية الجلفة الذي أعطى الرئيس أمرا لإنجازه من أجل التكفل بمرضى الولاية والمناطق المجاورة. كما تطرق الوزير الأول إلى المشاكل التي تعاني منها مصالح التوليد، متعهدا بحلها وتحسين التكفل بالنساء الحوامل. وجدد السيد جراد وعوده الخاصة بمكافحة البطالة والتكفل بأصحاب عقود ما قبل التشغيل، من فئات الإدماج المهني والمتعاقدين وغيرهم، حيث التزم بإيجاد حلول لهم. أما في مجال التربية الوطنية، فقد اعترف الوزير الأأول بوجود مشاكل مهنية ومشاكل اجتماعية يعاني منها الأساتذة، ملتزما بالعمل على تحسين آداء التعليم العالي والانفتاح على مختلف العلوم، مع تحقيق انسجام التعليم والتكوين مع المتطلبات الاقتصادية. كما تعهد السيد جراد بزيادة الدعم الفلاحي لاسيما بالجنوب والهضاب العليا، من أجل ضمان الأمن الغذائي وربط الإنتاج الفلاحي بالصناعة التحويلية. جدير بالذكر أن مناقشة مخطط عمل حكومة عبد العزيز جراد، تميزت بتفاعل كبير بين الطاقم الحكومي والنواب، الذين تجنبوا الغياب عن الجلسات، حيث استمرت هذه الأخيرة إلى ساعات متأخرة من الليل، لاسيما في اليوم الأول والثاني من النقاش.