أعدت مؤسسة فنون وثقافة لولاية الجزائر نهاية الاسبوع الماضي إلى الأذهان ذكرى الصحفي، الإذاعي والكاتب" البودالي سفير" وذلك في لقاء تكريمي اختير له شعار"مسار مناضل " وذلك بفضاء القصبة بالمركب الثقافي الهادي فليسي بمسرح الهواء الطلق، بمشاركة العديد من الشخصيات على رأسها لمين بشيشي، زهير عبد اللطيف وبراهيم بهلول بالإضافة إلى حضور نخبة من الكتاب ،الصحفيين و شخصيات من عالم الثقافة والفن. ولمن لا يعرفه فالبودالي سفير من مواليد 13 جانفي 1908 بسعيدة، من أسرة محافظة متدينة ومثقفة ذات أصول من مدينة معسكر ، حبث زاول مساره التعليمي الذي كلل بالنجاح، ذلك ما أهله للالتحاق بمدرسة الأساتذة ببوزريعة في الفترة الممتدة ما بين 1924 و 1927 ،انتقل بعدها إلى المدرسة العليا" لسان كلو" بفرنسا شعبة الآداب ، لكنه اضطر إلى مغادرتها بسبب التمييز العنصري الذي تعرض له هناك. عاد البودالي إلى الجزائر ليلتحق بسلك التعليم، بمدينة معسكر، وبعدها إلى مستغانم ثم تيارت لينتهي به المطاف إلى مدينة الشلف. كان التعليم بمثابة الجسر الذي ربطه بمهنة الصحافة والأوساط الأدبية والثقافية والفنية - وطنية كانت أو أوربية- كانت ثقافته الأدبية والتاريخية الواسعة ، واحتكاكه الدائم بالأوساط الثقافية والفنية العامل الذي جعله يهتم كثيرا بالهوية الثقافية والفنية للشعب الجزائري الذي كان يبحث عن ذاته في مختلف الأبعاد ، كان في هذه الفترة يُنَشِّطُ بإذاعة الجزائر ، وهي الوسيلة التي كانت تلاقي إقبالا جماهيريا واسعا فبرز في حصص إذاعية تتناول جمع وتصنيف التراث الأدبي والموسيقي الوطني بكل طبوعه : الحضرية ، البدوية ، والأمازيغية. أين فرض اسمه بقوة ما جعله مديرا فنيا بإذاعة الجزائر لمدة قرابة عشرين سنة . كان البودالي وراء مشروع ثقافي وطني تمحور حول البحث العلمي وتسجيل التراث الموسيقي وبفضله تم إعادة اكتشاف والنهوض بالموسيقى الجزائرية بمختلف طبوعها، حيث أنشأ خمسة أجواق موسيقية تمثل كل طبوع الموسيقي والغناء بالجزائر ، وأمدها بأحسن الموسيقيين والأساتذة المشهود لهم بالكفاءة والتألق ، فكان وراء تكوين جوق الموسيقى الأندلسية بقيادة محمد فخارجي ، وبعده عبد الرزاق فخارجي ، و ترسيم أغنية الشعبي كنوع غنائي متميز بذاته ، و أسندت مهمة قيادته إلى المطرب اللامع آنذاك امحمد العنقى ، كما أوكلت مهمة قيادة فرقة الموسيقى العصرية إلى مصطفى اسكندراني . فيما كانت الأغنية الأندلسية ممثلة بفرق في مدن تلمسان ، قسنطينة و بجاية ، وكان للأغنية القبائلية والصحراوية حضور في هذا المجال عن طريق جوق الشيخ نورالدين في الموسيقى القبائلية والمطرب الكبير خليفي أحمد في الأغنية الصحراوية . ضاعف البودالي سفير جهده في مجال النقد والتحليل فضلا عن التنشيط ، زيادة على عشرات المقالات التي صدرت له في مجلة الإذاعة أين قدم عملا كبيرا واستثنائيا في الموسيقى، المسرح والأدب الجزائري . بعد الاستقلال،استدعي البودالي سفير لترأس مسعى إنشاء المدارس الوطنية للموسيقى وللرقص ، لكنه اهتم أكثر بالموسيقى الأندلسية فقام بعدة زيارات. والتقى العديد من المختصين غداة تنقلاته خارج الوطن منها اسبانيا ، تركيا ، سوريا ، المغرب ، تونس. إضافة إلى شغفه بالموسيقى والغناء ، أصدر بودالي سفير منتوجا أدبيا مهما، حيث كشف عن إبداعات كثيرة في مجالات الكتابة ، السيناريو ، والمقال ، مما فتح له الباب في عدة مجلات أدبية فكتب إلى جانب محمد ديب ، ألبير كاموس ، روبلاس ، في العديد من المنابر الثقافية . انسحب من المشهد الفني سنة 1985 ، توفي في 04 جوان 1999 بباريس عن عمر يناهز 91 عاما.