عادت حرب اللقاحات بأكثر شراسة خلال اليومين الأخيرين على خلفية دخول مخابر الأدوية العالمية المنعرج الأخير قبل الشروع في حقن المصابين بفيروس "كوفيد 19" بداية من الأسبوع القادم. وتحوّل اللقاح "السحري" بالنظر إلى أهميته والمكاسب المادية الضخمة التي سيتم جنيها من تسويقه إلى قضية صراع بين الدول الكبرى التي دخلت سباقا ضد الساعة لوضعه في سوق الدواء العالمية همها الوحيد الظفر بأكبر الصفقات وجني المليارات. وكان إعلان السلطات البريطانية، أمس، اقتناء أولى شحنة من اللقاح المنتج من طرف مخابر الثنائي الأمريكي الألماني "فايزر بيوتاك" الأمريكية وشروعها بداية الأسبوع القادم في أول حملة تلقيح وطنية بمثابة فتيل "لحرب ناعمة" بعيدا عن دوي المدافع وخراب القصف وأزيز الرصاص. ولأن الرهان ضخم وكبير جدا فقد سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كانت بلاده السباقة إلى إعلان توصلها إلى إنتاج أول لقاح ضد فيروس كورونا الصيف الماضي، ليخرج عن صمته آمرا السلطات الصحية الشروع نهاية الأسبوع في حملات تلقيح واسعة النطاق بلقاح "سبوتنيك V " ضمن إشارة قوية باتجاه مختلف دول العالم بأن نجاعته لا تقل عن نجاعة لقاح فايزر الأمريكية. والمفارقة أن حكومة الوزير الأول البريطاني، بوريس جونسون لم تنتظر صدور ترخيص منظمة الصحة العالمية ولا الوكالة الأوروبية للأدوية لهذا اللقاح واعتمدته بناء على توصية وكالتها المحلية للدواء التي أعطتها الضوء الأخضر للشروع في حملة تلقيح وطنية على مستوى المملكة، مطمئنة مواطنيها بأن اللقاح الذي اعتمدته يستجيب لمعايير السلامة الأمنية والنوعية والنجاعة. وغرد بوريس جونسون مبتهجا بهذا الحدث الذي يسمح كما قال بالعودة إلى الحياة الطبيعية وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة والتي كادت تعصف به في ظل تنامي الاحتجاجات الرافضة لإجراءات الحجر المفروضة. ويبدو أن السلطات الألمانية أحست بنوع من الحرج بسبب السبق البريطاني وخاصة في ظل ضغوط شعبية ملحة على المستشارة أنجيلا ميركل لرفع القيود الوقائية، ما جعل جانس سفان وزير الصحة في حكومتها ينتقد الوزير الأول البريطاني وراح ينتقد الوكالة الأوروبية للأدوية لتباطؤها في اتخاذ قرار واضح ونهائي بشأن اللقاح الأمريكي من حيث فعاليته ودرجة خطره على مستعمليه. ومنحت الوكالة الأوروبية للأدوية لنفسها مهلة إلى غاية نهاية الشهر الجاري لتحديد قرارها بخصوص اللقاح الأمريكي الألماني وإلى غاية 12 جانفي القادم بخصوص اللقاح الثاني المنافس الذي انتجته مخابر "موديرنا" الأمريكية والتي أكدت بدورها فعاليته بنسبة 95 من المئة. وصاحبت هذه التطوّرات حرب نفسية محتدمة مسّت بالإضافة إلى فعالية اللقاحات المقترحة ومسّت حتى ظروف تخزينها ودرجة الحرارة التي يتعين حفظها فيها وطرق تسويقها ضمن مزايدات هدفها النهائي إبرام أكبر الصفقات لتسويق ملايير الجرعات المدرة لملايير الدولارات. وضمن هذه الحرب أعلنت مجموعة "فايزر" أن لقاحها يمكن حفظه لمدة خمسة أيام في درجة حرارة تقل عن 80 درجة مئوية وهو شرط تعجيزي لكثير من الدول النامية في حين قالت مخابر "موديرنا" الأمريكية إن لقاحها يحفظ لشهر كامل في درجة حرار أقل من 20 درجة مئوية. ووسط هذا الصراع المحتدم شرعت باقي دول العالم في تحضيراتها لإطلاق حملات تلقيح وطنية قبل نهاية السنة الجارية على غرار المغرب الذي عبر عن آماله في الشروع في حملة تلقيح تستهدف 20 مليون شخص خلال ثلاثة أشهر قادمة. في وقت أعلنت فيه السلطات الإيطالية واليابانية توزيع اللقاح مجانا على مواطنيها بمجرد توفره، في حين طالبت جمعيات ومنظمات صحية أمريكية بضرورة منح الأولوية لمستخدمي القطاع الصحي والفئات الهشة. وإذا كانت تلك رغبة السلطات الرسمية فإن نتائج استطلاع في الأوساط الشعبية أكدت أن الغالبية من سكان فرنسا يرفضون تلقي اللقاح بسبب الشكوك حول وجود أثار سلبية على صحتهم المستقبلية.