يلعب المظهر دورا أساسيا وفعالا في حياة الإنسان، فمن خلاله يستطيع الغير تكوين صورة سريعة عن شخصية ونفسية ومكانة وميولات الغير، حيث يعتبر المظهر صورة عاكسة لشخصية الفرد، ويتميز العصر الحديث بالاهتمام الكبير بالمظهر، حيث استوطن جمال الجسد والمظهر في العقول لاعتبارات عديدة، والجزائري على غرار الشعوب الأخرى له نظرته الخاصة تجاه المظهر، حيث سنتطرق من خلال هذا الاستطلاع الى أهمية المظهر في مجتمعنا، مدى تحكمه في العلاقات مع الآخرين، ومدى اعتمادنا على المظهر في اختيار الزوج، الزوجة، الأصدقاء وأهمية المظهر في العمل أيضا. تؤكد الدراسات الاجتماعية الحديثة أن للمظهر أهمية كبيرة ودور فعال في العلاقات الإنسانية، كما أنه يحكم على نجاح أو فشل الكثير من العلاقات، فمن خلال النظرة الاولى تقدم صورة سريعة عن الشخص الذي نراه ونصدر عنه أحكامنا الخاصة، وهي ذات الاحكام التي تحدد اطار العلاقة ومدى تواصلها. ويتجلى الحرص الكبير على المظهر من خلال الملايين التي يصرفها الشخص رجلا كان أو امرأة على نفسه، سواء من خلال اتباع الموضة واختيار الملابس المناسبة التي تضمن الاناقة والجمال أو اللجوء الى الحلاقة والتجميل وشراء مختلف انواع الكريمات التي تظهر نضارة البشرة، كما تظهر أهمية المظهر والحرص الشديد عليه من خلال البحث عن الجمال والخضوع للعمليات التجميلية للحصول على جمال متجدد لا يعترف بتجاعيد الزمن، مع المتابعة الدقيقة للوزن والخضوع لتمارين رياضية واستخدام اجهزة الرشاقة وتخفيف الوزن لمحاربة السمنة التي اصبحت مشكلة خطيرة تهدد جمال المظهر، فالعشرات من النساء يعشن بهاجس محاربة البدانة لاقتناص نظرات الإعجاب من الغير، في حين تحاربها اخريات للحصول على جسد معافى من الامراض على غرار الكوليسترول، الضغط وامراض القلب. ويظهر الحرص الشديد على المظهر لدى الرجال والنساء، المراهقين والمراهقات وحتى الاطفال، الذين تحرص عائلاتهم على أخذهم إلى الروضة أو المدرسة أو قاعة الرياضة بمظهر جذاب يجمع بين الاناقة والنظافة، لأنه يعكس آليا مدى اهتمام الاسرة بأبنائها.
المظهر طريق اختيار الشريك يلعب المظهرا دورا هاما في العلاقات العامة وحتى في العلاقات العاطفية والصداقة، حيث أكد لنا بعض مستجوبينا أن المظهر الخارجي له تأثير سحري في العلاقات وأنه يستطيع أن يجلب لصاحبه احتراما مضاعفا أو العكس.. حيث يرى عبد الله موظف أن المظهر الخارجي يؤطر الكثير من العلاقات، حيث يرتاح الناس للشخص الانيق الوسيم، في حين لا يحظى الشخص العادي الذي لا يهتم بأناقته ومظهره الخارجي بأي اهتمام، وربما تعداه الامر الى الازدراء والاحتقار إذا لم يكن الشخص من المهتمين بنظافته، يقول » كلما كان الشخص نظيفا ومهتما بمظهره الخارجي كان محل احترام وتقدير في محيطه المهني وغالبا ما يطلق عليه اسم السيد "فلان"«. وحول أهمية المظهر في اختيار الزوج أو الزوجة، أكد مستجوبونا ذكورا واناثا أن المظهر يحتل حصة الاسد في الايام الاولى للعلاقة، خصوصا أن البداية تكون اعجابا بالمظهر أو جمال الوجه وغيرها من الاشياء الخارجية التي تجذب، في حين أكد لنا آخرون أن المظهر يبقى ذا اهمية في كل المراحل وحتى بعد الزواج، فالعين تعشق الجمال. وحول هذا الموضوع يقول رضا 28 سنة أعزب » لا أخفيكم أنني اعطي اهتماما خاصا لمظهري كونه يعكس شخصتي، فأنا من عشاق الجمال والنظافة وأتمنى أن تكون شريكة حياتي مثلي، ولهذا أهتم كثيرا بالمظهر الخارجي للفتاة التي أود ربط علاقة عاطفية بها، ولا يقتصر اهتمامي بمظهرها على أناقتها أو جمالها فقط، بل ألاحظ اظافرها واهتمامها بتسريحة شعرها وغيرها من الامور، فالمظهر الخارجي أصبح مهما جدا في أيامنا«. أما نسيمة 23 سنة، فترى أن الوسامة والاناقة شرطان أساسيان في زوج المستقبل، تقول » لا أتخيل أبدا نفسي مع زوج لا يهتم بمظهره، علاوة على وسامته، فللمظهر اهمية كبرى بالنسبة لي، لأنه سيكون نصفي الآخر الذي يعكس جزءا مني وسط عائلتي وفي محيطي الاسري والاجتماعي، أي أنه يمثلني، لهذا لن اتنازل عن هذا الشرط«. أما ريم 34 سنة، فترى أن المظهر لا يعكس دوما شخصية صاحبه وأنه قد يكون سببا في الخراب والدمار، تقول » كثيرا ما نهتم بالمظاهر الكاذبة وأنا شخصيا مررت بتجربة عاطفية صعبة، حيث تعرفت على شخص مصاب بمرض نفسي في قمة الأناقة، لم أتخيل يوما أن باطنه عكس ظاهره ومن يومها أدركت أن المظاهر الخاصة تحطم الكثير من الاشخاص، لكن هذا لا يمنع أن يحافظ الشخص على نظافته وهندامه لكسب احترام الآخرين«.
سلطة المظهر تفرض نفسها من جهتها عفاف 24 سنة، شابة أنيقة متربصة بمركز التكوين المهني، ترى أن المظهر أصبح هاجسا لدى البعض، بل استطاع أن يفتك نظرات الاحترام، تقول » عندما تمشي في الشارع تلاحظ أن أغلب الناس يتمتعون بهندام متناسق وكل الفتيات جميلات، حيث أصبحن يولين اهتماما كبيرا لمظهرهن، وأنا شخصيا أهتم بالأمر، فالمظهر لم يصبح شخصيا فحسب، ففي السابق كان المرء يحب ويحترم لأخلاقه ونسبه وصفاته، أما اليوم فأصبحت سلطة المظهر هي التي تفرض الاحترام والتقدير، فكلما كان الشخص نظيف المظهر، متناسق الهندام والقوام، كان احترامه أكبر، وأنا مثل الكثير من الفتيات احرص على الظهور دوما جميلة الوجه وأنيقة الثياب، فقد اصبح المظهر هاجسا بالنسبة لي«. أما نريمان 21 سنة، شابة خفيفة الظل، فترى أن للمظهر قوة جبارة تترجمها نظرات الإعجاب فقط تقول » لا أخفيكم أنني اهتم بمظهري كثيرا، فعيون الناس في زماننا أصبح لا يعجبها سوى المظهر الجذاب، وأنا شخصيا عانيت كثيرا من نظرات اللاإعجاب قبل أن ادخل الجامعة، فوالدي المسكين عامل بسيط واجرته لا تكفي لاعالة اسرتنا، لذا اصبحت أستعير الملابس من صديقاتي، كما أدخر المنحة الجامعية لأشتري أجمل الثياب، واحرص دوما على تعويض ما عانيته أيام الثانوية من نظرات الازدراء والاحتقار من زميلاتي اللائي لم يكن يروقهن مظهري البسيط رغم أني كنت متفوقة جدا في الدراسة... أعرف جيدا ذلك الاحساس الذي يسيطر على الشخص اذا كان يحلم بالوقوف بمظهر خاص في مكان ما ولا يستطيع تحقيق ذلك... نعم للأسف فنحن نخضع لسلطة المظهر رغم أنوفنا!«.
مظهري يشعرني بإنسانيتي أما نوارة 30 سنة مثقفة، فلديها اهتمام خاص بمظهرها ، حيث تعتبره الصورة التي تعكس شخصيتها الإسلامية التي تضع النظافة والجمال في أولى المراتب، تقول » صراحة أنا من المهتمات جدا بالمظهر، فمن خلاله أحس بإنسانيتي لأن مشاهدة رجال ونساء في المواصلات ووسائل النقل بمظاهر غير لائقة وثياب متسخة ورائحة كريهة أمر يؤلمني كثيرا، ويجعلني أتساءل كيف تغيب على هولاء سمة يفترض أنها من الفطرة، وما يؤسفني أكثر هو أنهم يشوهون منظر الفرد المسلم... فكيف يقبل الإنسان أن ينزل الى الحيوانية، ومن الحيوان من ينظف نفسه كما نرى يوميا، صراحة لا أتصور أبدا الزواج برجل لا يهتم بمظهره ونظافته«.
الآخرون هم مظهرهم وعلاوة على الصبغة الهاجسية التي يكتسبها المظهر لدى البعض، فهو بوابة الاحترام والتقدير لدى البعض الآخر، حيث تحدث عملية احترام الآخر وفقا لمظهره، وفي هذا السياق يقول رياض 32 سنة اطار في شركة وطنية » المظهر بالنسبة لي ليس مجرد ديكور خارجي فقط، فهو يعكس شخصية صاحبه ومدى احترامه لذاته واحترام الغير له أيضا، فقد لاحظت أن أكثر الناس يتعاملون مع الشخص حسب مظهره، فإذا كان حسن الوجه، بشوشا وصاحب هندام نظيف ومن الطراز العالي، كأن يرتدي الشخص طقما باهظ الثمن، يحظى باحترام كبير في محيطه الاجتماعي، المهني وحتى في الشارع، حيث يفتك نظرات الإعجاب من الآخرين، وأنا شخصيا أعشق تلك النظرات لأنها ترفع معنوياتي وتشعرني بالسعادة، بالمقابل، اخصص الكثير من المال لمظهري سواء فيما يخص الثياب أو الاحذية وربطات العنق وحتى كريمات التجميل والعطور، فأنا اعتبر هذا الكوكتال ضروري للحصول على مظهر جذاب وأنيق«.
العيون لا ترحم المعاق! هيمنة المظهر في التصرفات والعلاقات، ألقت بظلالها على كل شرائح المجتمع ولم تسلم منها حتى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث ينظر الاشخاص الى المعاق على أنه شخص "مسكين"، كما قالت السيدة نيكول العلمي، رئيسة جمعية نادي القصبة التابعة لنادي ليانس الدولي. مضيفة أنه شخص حزين جدا ويعاني من الكلمات التي تحبط من عزيمته وأشارت هنا إلى فئة المكفوفين. في حين أكد لنا السيد مصطفى بوفلاح، رئيس الرابطة الرياضية لمعاقي الجزائر، أن عيون الناس لا ترحم المعاق، فرغم الطاقات الكامنة بأعماقه إلا أن الاشخاص يحكمون على الشكل الخارجي، فهو في نظرهم انسان يجب أن يوضع على الهامش، والامر المحزن فعلا هو الصدمة الاولى التي يتلقاها من عائلته التي لا ترحب به، فما بالك بالمجتمع الذي لا يرحم أحيانا.. رغم أنه انسان ويستحق المعاملة الجيدة... للأسف إنها خطيئة المجتمع. أما زينة 34 سنة، شابة معاقة بنسبة 80? على مستوى أصابع اليد والقدم، فقد عانت الامرين من نظرة المجتمع وخصوصا الجنس الخشن، تقول » الحمد لله فقد وهبني الله جمالا يشهد له الجميع، لكن للاسف الاعاقة التي على مستوى اصابع يدي شبه المقطعة، جعلت كل من يتقدم الي ينفر مني بعد اكتشاف الامر، ولطالما تم تحسيسي بهذا النقص على أساس أني فتاة ولا أستطيع خدمة ذاتي، فما بالك بخدمة الغير رغم أنني في الواقع متكيفة جدا مع وضعي واستطيع القيام بأعمال المنزل، حيث عودتني والدتي على ذلك، ولا أخفيكم أنني أشعر بالحزن حيال هذه التصرفات، فالكل يحكم على المظهر الخارجي دون التذكر ولو لوهلة، أن صاحب هذه العاهة انسان له مشاعر واحاسيس ويمتلك القدرة على تحليل الامور من خلال النظرات«.
لا ابتسام إلا للأناقة وأكدت لنا الإعلامية سعيدة بريش، صحفية بالقناة الاذاعية الاولى، أن الاهتمام بالمظهر الخارجي يحتل حيزا هاما في قاموس الاشخاص، وخصوصا شباب اليوم الذي يتابع كل تطورات وصيحات الموضة، تقول » لقد اصبح الشباب يهتم كثيرا بالمظهر الخارجي، فهو هاجس بالنسبة للبعض وتعويض نقص للبعض الآخر أو مكمل لأشياء اخرى، حيث أكد لي بعض الشباب أثناء قيامي باستطلاع حول الموضة بسوق علي ملاح، أنهم يخصصون مبلغ 000.40 دج شهريا لأناقتهم للظهور بشكل لائق ولجذب الانتباه، ويتقاسم هذه الخاصية الذكور والإناث، فقد أكد لي أحد الشباب أنه يهتم بمظهره الخارجي لدرجة الهوس لأنه يرفض نظرات الاحتقار من الآخرين، فالمجتمع في نظره لا يصفق أو يبتسم سوى للأنيق «.
النفاق وليد المظهر! وأكد لنا الأستاذ علي قاسي مختص في علم النفس الاجتماعي ومحاضر بجامعة بوزريعة، أن كل الشعوب تقيس الإنسان من خلال سلوكاته التي يعبر من خلالها عن ذاته، لكن للأسف تمتاز المجتمعات غير المثقفة بخاصية التحايل على الذات، وهو الامر الذي يجعل عملية التفاعل بين الاشخاص صعبة جدا، نظرا للتمويهات التي يلجأ إليها البعض وعلى رأسها المظهر، حيث اصبح المظهر لا يعكس أبدا الصورة الحقيقية لصاحبه. والجدير بالذكر، أن الحذر أصبح سمة أساسية في تصرفات الاشخاص، وخصوصا سكان المدن، حيث افتقدت المدينة صفة الأمان بعدما أصبح المظهر لا يعكس المخبر فعلا، ولا يخفى عنكم أن النفاق وليد المظهر.