لا يزال ملف العنف في الوسط المدرسي يطرح بشدة من طرف المهتمين به بغرض البحث عن السبل الكفيلة للحد من الظاهرة، وأجمع المستشارون التربويون والأخصائية النفسانية المشاركون باليوم الدراسي الذي نظم مؤخرا بمكتبة دار الأنيس بعين البنيان على أن العنف المدرسي له عدة تبريرات باعتبار أن الشعور بالقلق إحساس يمر به كل شخص، ولكن حتى لا يتحول إلى سلوك عدواني ينبغي التحكم فيه وتوجيهه، وهو ما حاول المتدخلون التركيز عليه. تقول الآنسة سليمة مزماط مستشارة التوجيه المدرسي بعين البنيان في معرض مداخلتها إن العنف بصفة عامة ظاهرة موجودة في كل دول العالم، حيث أسفرت الدراسة التي قامت بها منظمة اليونسكو في سنة 2004 أن نسبة العنف بالدول العربية بلغت 30 بالمئة، فيما قدرت بالدول الأوروبية ب 35 بالمئة، وسجلت أكبر نسبة للعنف بدول أمريكا حيث بلغت ما معدله 65 بالمئة، وتضيف "أن العنف المدرسي ماهو إلا ظاهرة اجتماعية تربوية معقدة تتواجد بالمدن بدرجة كبيرة مقارنة بالأرياف، وبعد أن كانت هذه الظاهرة تخص تلاميذ الأطوار الثانوية والمتوسطة بدرجات متفاوتة، أضحت اليوم تزحف حتى إلى الأطوار الابتدائية وهو ما يستدعي اتخاذ الإجراءات الوقائية السريعة للقضاء على الظاهرة، لا سيما وأن نتائجها باتت وخيمة تتراوح بين الجرح والقتل". من جهة أخرى تؤكد ذات المتحدثة "أن ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وإن تفاقمت مؤخرا إلا أنها ليست بالظاهرة المفاجئة ولا العفوية، باعتبار أن لديها أسبابها التي جعلتها تظهر وتتمحور أساسا حول ما يصطلح على تسميته بالخلل في مؤسسات التنشئة الاجتماعية المتمثلة في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، إلى جانب الدور السلبي الذي تقدمه مؤسسات الأنشطة الموازية كالانترنت وقاعات ألعاب الفيديو". المدرسة تساهم في تنامي العنف!! وتشرح المستشارة التربوية جملة من العوامل التي تسهم بطريقة أو بأخرى في توليد العنف عند الطفل، والتي تحوله من شخص سوي متوازن الشخصية إلى كائن عدواني وعدائي، حيث تقول "مثلا بالنسبة للأسرة فالمتعارف عليه أن الطفل يستقي مبادءه الأولى من محيطه الأسري، ولأن العائلة اليوم أهملت واجباتها التربوية تجاه أبنائها، يلجأ هؤلاء للبحث عن منافذ يسقون منها مبادءهم، فيصطدمون بالشارع الذي يلعب دوره السلبي في تغذية العنف لدى الطفل من خلال رفاق السوء الذين يقودونه للإدمان على المخدرات أو احتراف السرقة". من جهة أخرى تطرح المتحدثة سؤالا مفاده: "هل يمكن أن تكون المدرسة مصدرا للعنف؟" وتجيب بالقول "إنه من المفروض أن المدرسة كمؤسسة تربوية تلعب دورا هاما في تقويم سلوك التلميذ وإعداده أخلاقيا ونفسيا واجتماعيا، إلا أن ما يحدث اليوم وما جعل المدرسة تشارك في ظاهرة العنف هو زوال هبة المعلم إلى جانب الضغوط التي يتعرض لها والمتمثلة في كثافة الدروس والعدد الكبير من التلاميذ الأمر الذي يدفع ببعض الأساتذة إلى استعمال أسلوب السب والشتم والإهانة والضرب للسيطرة على الجو في القسم، وهو ما يجعل التلميذ يأخذ موقفا من أستاذه من خلال التشويش وإهانة المعلم كنوع من رد الاعتبار والذي يتحول إلى اعتداء بالسلاح الأبيض انتقاما منه. وما استخلصته المستشارة التربوية من خلال تجربتها بالمؤسسات التربوية أن بعض الأساتذة باتوا يحتالون على التلميذ من خلال ما يسمى بالمراقبة المستمرة، حيث يعطون بعض التلاميذ تقييما عن سلوكهم مخالفا لما هم عليه. في العادة يكون التلميذ ذو النتائج الضعيفة تلميذا مشوشا بالقسم، إلا أننا نجد تقويمه جيدا؟ هذا إلى جانب من يستعمل التقويم كوسيلة لمعاقبة التلميذ بمنحه نقطة ضعيفة، وهو بالتالي ما يجعل التلميذ يبحث عن السبل الكفيلة بجعله ينتقم من أستاذه، كما يعد نقص المرافق الترفيهية بالمدارس سببا لجعل المؤسسة التربوية مكانا تكبت فيه حيوية التلميذ الذي بمجرد أن يخرج من المدرسة تلاحظ عليه حالة من الهيجان تنعكس على زملائه من خلال اللعب مهم بصورة عنيفة لتفريغ طاقته، كالتطابع عند مخرج المؤسسة الذي يتولد عنه سقوط العديد من التلاميذ. العنف الجنسي.. "طابو يجب كسره" من جهتها السيدة نشيدة فتيحة طايبي أخصائية نفسانية مكلفة بالإسعاف بالهلال الأحمر الجزائري ترى أن ظاهرة العنف بالمؤسسات التربوية ليست بالشيء الجديد، وإنما كانت موجودة منذ أكثر من 15 سنة مضت، وإنما تفاقمت وأخذت أشكالا وأنواعا جديدة، حيث تقول "إنه من خلال تجربتي في مركز المتابعة بالمدارس الكائنة بجسر قسنطينة من 1988 إلى غاية سنة 2000 اكتشفت أن العنف المدرسي تحول إلى ظاهرة تستدعي دق ناقوس الخطر بعدما شهدنا حوادث بلغت حد قتل التلميذ لزميله أو الاعتداء بالسلاح الأبيض على أستاذه" وتضيف" نحن جميعا نؤمن بأن ظاهرة العنف يمكن أن تكون ظرفية يحكمها شعور معين تتطلب تظافر جهود كل من قطاع التربية والصحة والأسرة والمجتمع المدني، من أجل الوصول إلى بناء مجتمع متوازن، ومن جهة أخرى فإن ما عمق من مشكلة العنف بالمؤسسات التربوية وجعل علاج الظاهرة مستعصيا، غياب الأمن، لاسيما خلال العشرية السوداء والتي كان لها تأثير كبير على شخصية الطفل الذي يعيش العديد من التقلبات باعتبار أن العنف أصبح موجودا بالبيت والشارع دون فرق، فإن لم يكن عنفا جسديا فهو معنوي يتمثل في السب والشتم والذي تكون نتائجه وخيمة لأنه يمس شخصية التلميذ ويحط من كرامته". ولعل ما اعتبرته المختصة النفسانية من أخطر أنواع العنف والذي لا يزال من الطابوهات التي يقل عنها الحديث هو العنف الجنسي الذي بات شائعا بالمؤسسات التربوية، ولأن الحياء يمنع الحديث عن مثل هذه الظاهرة في هذه الحالة اعتمدنا كما تقول على تجربة ناجحة في بعض المدارس، تقوم على مبدإ الاستماع إلى التلميذ الذي يتعرض لمثل هذا الاعتداء بصورة سرية، وقد تمكنا من تقديم العديد من الأساتذة للعدالة، خاصة وأن هذه الظاهرة بدأت تمس الأطوار الابتدائية، حيث يلاحظ على التلميذ تغير في شخصيته بحيث يتحول إلى طفل انطوائي يرفض التواصل". وحول ما استخلصته من خلال تجربتها ببعض المدارس بجسر قسنطينة تقول: "إن العنف المستعمل من طرف بعض التلاميذ ليس بحالة مرضية، بل هو حالة عابرة تخضع لبعض الظروف التي يعيشها التلميذ، كالفقر أو المشاكل العائلية والتي يمكن القضاء عليها من خلال تفعيل لغة الحوار والتواصل مع التلاميذ، لأنهم يعتبرون العنف بمثابة المنفذ السريع للتنفيس عن حالة الغضب". التلفزيون يتسبب في تفاقم الظاهرة يرى ممثل عن الدرك الوطني لمقاطعة عين البنيان بأن الدراسة التي أجريت بالجزائر حول العنف أقرت بأن أكبر معدلات العنف موجودة بالأطوار الثانوية، حيث وصل الأمر إلى استعمال بعض الأسلحة المحظورة في الاعتداء على المعلم أو التلميذ، ومرجع ذلك مشاهدة مختلف أفلام العنف التي تستقطب اهتمام شريحة كبيرة من طلاب المدارس، والتي ساعدت في تغذية العنف لديهم لا سيما ما أضحت تبثه اليوم المواقع الإلكترونية على شبكات الانترنت، من ألعاب تقوم أساسا على العنف كقاعدة أساسية للعب. هذا في ظل غياب عنصر العقاب عن مشاهدة مثل هذه الأفلام وتراجع دور الأسرة التي أصبحت مقصرة في تربية الأطفال، لذا يرى المتحدث أن الوسيلة الناجحة للتقليل من العنف تتمثل في البحث عن البرامج التثقيفية الهادفة التي تسهم في بناء شخصية التلميذ، شعارها اللاعنف ومستقبلها السلم. أما عن علاقة الدرك الوطني بالعنف المدرسي فيقول المتحدث "الدرك الوطني كجهاز أمن يسعى إلى حماية هذا الطفل الذي يفصل من المدرسة بسبب إقدامه على ارتكاب فعل ما، وحتى لا يختلط بشريحة المنحرفين، وبالتالي يتحول إلى مجرم أو مدمن على المخدرات، وينتهي به المطاف بالسجن، يتدخل الجهاز الأمني من خلال ما يسمى بخلية الأحداث التي تعمل وفق برنامج مسطر يعتمد على الاستماع إلى الطفل وتوجيهه لحمايته من الإجرام والجريمة".