إذا كنت متواجدا في العاصمة وأردت الذهاب إلى المرحاض، عليك بالصبر، حتى وإن كنت في حالة مستعجلة، لأنه وببساطة لا وجود لمراحيض عمومية، والقليلة الموجودة ليست في كل مكان، كما أن أغلبها حالتها متدهورة ولا تتوفر فيها أدنى شروط النظافة، مما يهدد مستخدميها بأمراض. هذا ما يجعل البعض يلجأون إلى الأماكن المختبئة والضيقة بعيدا عن الأنظار، بين الأزقة وحتى في أماكن عمومية لقضاء حاجتهم، لدرجة أن هذه المراحيض في الهواء الطلق، أصبحت مصدر روائح كريهة تجعل المار مجبرا على غلق أنفه، حتى لا يصاب باختناق أو يغمى عليه. يزور العاصمة يوميا مليون شخص، حسب آخر الإحصاءات، كل هؤلاء يحتاجون إلى الكثير من الخدمات ولنتصور، أنهم كلهم أرادوا قضاء حاجتهم، نتساءل ما هي الطريقة التي سيلجأون إليها وإلى أين سيتجهون، وكيف سيكون حال العاصمة؟ أسئلة يطرحها كل من يتجول في شوارع الجزائر، لاسيما الذين سبق لهم وأن بحثوا عن مرحاض من أجل قضاء حاجتهم الطبيعية. تقول (و.س) 44 سنة "أنا أعاني من وجود حصى في الكلى، وهذا يتطلب مني شرب الكثير من الماء باستمرار، لكن عندما أكون بعيدة عن مقر عملي أو البيت، فإنني أتفادى ذلك، لأنه إن احتجت للذهاب إلى المرحاض لا أجده، وهذا ما زاد حالتي سوءا"، ومثل هذه الأخيرة، العديد من الأشخاص الذين يعانون نفس المرض، وآخرون يعانون من داء السكري مثلا، والذين يترددون كثيرا على المرحاض، لذلك يتفادى أكثرهم الابتعاد كثيرا عن مقر العمل أو السكن. مراحيض في الهواء الطلق! لأن الكثيرين ممن يقصدون العاصمة يأتون من مناطق بعيدة، والكثيرون منهم، لا يمكنهم تحمل عدم قضاء حاجتهم، وفي ظل استمرار الوضع على حاله أي غياب مراحيض عمومية، فإن بعض الأماكن في العاصمة تحولت إلى مراحيض مكشوفة أمام الملأ، حيث يلجأ بعض الناس إلى التبول في بعض الممرات، وبعض الأزقة، أو جانب بعض محطات الحافلات، كمحطة " أول ماي" أو" تافورة"، الأمر الذي جعل الفرد منا يتقزز من الروائح الكريهة، التي تنبعث من هذه الأماكن، التي أصبحت نموذجا في القذارة رغم أن الكثيرين مجبرين على المرور منها يوميا. يقول (إسماعيل.م) 30 سنة، يشتغل في العاصمة "أنا أعمل على مستوى البريد المركزي، ويوميا أسلك السلالم التي تؤدي إلى شارع الحرية، والتي صراحة أقطع أنفاسي عندما أصل إليها، لأنه لايمكن تحمل تلك الروائح المنبعثة والتي تزداد حدة من يوم لآخر"، كما تحولت أيضا بعض الممرات الأخرى عبر الزمن إلى مراحيض، خاصة تلك التي لم تكتمل بها الأشغال، إلى جانب حافات الطرقات والفضاءات الموجودة تحت الجسور، وهناك أشخاص لا يتحرجون من التبول أمام الملأ، دون أن يعيروا أيا كان أدنى احترام. تقول السيدة ( ل.ب) 32 سنة، عاملة في مؤسسة بالعاصمة "صراحة لا أفهم منظر بعض الأشخاص الذين يتبولون على حافة الطريق، دون حياء أو احترام، صحيح أن هناك نقصا فادحا في المراحيض العمومية، لكنه ليس سببا لأن نقضي حاجتنا أمام الملأ، لأن هذا ليس تصرفا حضاريا، إنه يذكرني بالعصر البدائي". إلا أن ( س.ك) 28 سنة القادم من خارج العاصمة يقول "لا أدري إلى أين يجب الذهاب، صراحة عادة ما أحتاج إلى قضاء حاجتي، وفي الكثير من الأحيان، أصحاب المقاهي يرفضون السماح للبعض باستعمال المرحاض، خاصة إن لم تستهلك شيئا، ولهذا فإنني أضطر في العديد من المرات إلى التبول، في أي مكان يكون خاليا من المارة". ومازالت العاصمة تعاني من هذه الظاهرة، رغم أننا في 2009، وحتى المراحيض العمومية التي كانت موجودة تحول معظمها إلى أكشاك لبيع الجرائد والحلويات وأشياء أخرى، ومنها من تحول إلى محل للأكل الخفيف، مثل ما هو حال مرحاض كان، على مستوى شارع باستور والذي نتساءل، كيف سمح لصاحبه أن يحوله إلى محل؟. ستة مراحيض عمومية جديدة في العاصمة انتقلنا إلى بلدية الجزائر الوسطى، والتقينا السيد عبد الحكيم بطاش، نائب رئيس البلدية المكلف بالشؤون الاجتماعية والبيئة، لطرح كافة هذه الإشكالات والتساؤلات والذي لم ينف وجود نقص، لكنه كشف عن تخصيص البلدية لميزانية من أجل حل المشكل عبر مراحيض عمومية، ستوضع بالتدريج على مستوى معظم الشوارع الكبرى وقال "لقد جلبنا مراحيض من الخارج، على شكل مقصورات منحت لبعض الشباب، كما وزعنا البعض منها على معوقين، وهذا بالتعاون مع الولاية"، وأشار إلى أن مثل هذه المراحيض، من شأنها أن تسمح للناس قضاء حوائجهم بشكل مريح، "هذه المراحيض متوفرة على كل مستلزمات النظافة فبمجرد قفل الباب، هناك طريقة ميكانيكية لتنظيف المرحاض أوتوماتيكيا"، وقد وضع أحد هذه المراحيض على مستوى شارع باستور، لكن الملاحظ أنه وضع في مدخل النفق الجامعي الذي يوجد بداخله مرحاض عمومي خاص بالرجال، وحول هذا أشار السيد بطاش "سنقوم بوضع مراحيض في شوارع العربي بن مهيدي، عبان رمضان ومحطة تافورة، في انتظار أماكن أخرى"، وسيدفع المواطن 10 دج، للمكلف بتسييرها، والذي من جهته يدفع 2500 دج للبلدية كحق للإيجار شهريا. وتفتح هذه المراحيض من الساعة السابعة صباحا إلى غاية السابعة ليلا. قصدنا عينة من هذه المراحيض الموضوعة حديثا في شارع باستور والتقينا هناك بالمشرف عليها، يقول كريم بلوصيف أحد المستفيدين من مرحاض عمومي على مستوى مدخل النفق الجامعي في شارع باستور "أشكر البلدية التي فكرت فينا نحن المعاقين، ومنحتنا إمكانية العمل والخروج من البيت، أنا أشرف على هذا المرحاض وأرى أن الأمور بدأت تتحسن من أجل الحفاظ على البيئة".ويكشف هذا المستفيد أن بعض الناس يتعقدون من الدخول إلى هذا المرحاض قائلا: "هناك بعض الناس يتعقدون من الدخول إلى هذا المرحاض، كونهم يخجلون من أعين الناس". ليضيف أنه يعاني من بعض الصعوبات، مصدرها بعض المواطنين الذين إن تغيب للحظة عن مكان تواجد المرحاض يتبولون على الرصيف، فهم يتركون المرحاض ليقضوا حاجتهم في الهواء. ومن المقرر أن يصل عدد المراحيض إلى ستة في الشوارع الكبرى، حيث تم وضع مرحاض عمومي آخر في محطة نقل الطلبة في تافورة، لكنه لم يفتح بعد وفي انتظار تجسيد هذه المشاريع هل يمكننا أن نتصور يوما أن مشكل المراحيض العمومية قد تم حله؟! أم أننا سنعيد طرح نفس الموضوع في 2010 و2011 و......؟!