يجمع خبراء اقتصاديون أن حدوث اختلال في القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة ارتفاع الأسعار، خلال العام الجديد، أمر وارد، ولكنه أمر لا يخص الجزائر وحدها، بالنظر إلى تداعيات الجائحة الصحية التي كان لها وقع مباشر على اقتصاديات كل دول العالم، دون استثناء، مؤكدين أن إنجاح استراتيجية "السنة الاقتصادية"، التي وعد بها رئيس الجمهورية، لابد لها من معطيات وآليات يسردونها، ضمن هذا الاستطلاع. المخاوف مشروعة و"المصيبة إذا عمّت خفّت" وأقر الدكتور عبد الرحمان عية، بارتفاع أسعار عديد المواد الاستهلاكية في الفترة الأخيرة، ما قد يؤثر على القدرة الشرائية، مرجعا أسبابها إلى مؤشرات الأسواق الدولية، جراء جائحة كورونا، التي شلت قطاعات منتجة وقلصت من تعداد العمال، ما أدى إلى تراجع معروض السلع في الأسواق، قابله ارتفاع في الطلب بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن. وأضاف، عية، أن حجم الاستيراد في بلادنا عرف تراجعا، ضمن خطتها الجزائر لتقليص عجز الميزان التجاري، من خلال ترشيد الواردات وحصرها في الضروريات، إلى جانب التراجع الطفيف في قيمة العملة الوطنية، وهي كلها عوامل أسهمت في المنحى التصاعدي، لأسعار بعض المواد الاستهلاكية. وقال إن مخاوف المواطن، محدود الدخل زادت وهو الذي كان ينتظر الاستفادة من رفع قيمة النقطة الاستدلالية مع حلول العام الجديد، ولكن تم تأجيلها إلى غاية السداسي الثاني من السنة الجارية، ما سيبقي الأجور في مستوياتها، بعد تخفيف الضريبة على الدخل الإجمالي. وذكر الخبير الاقتصادي، أحمد سواهلية، من جهته، أن من بين أسباب تراجع القدرة الشرائية، نسبة التضخم التي ارتفعت بسبب انعكاس جائحة كورونا على اقتصاديات العالم، وما صاحبها من اختلالات في سلسلة التوريدات العالمية، فضلا عن المضاربة ومنطق الاحتكار، الذي زرع اليأس والخوف في نفوس المواطنين، ما حتم على السلطات العمومية، إقرار قوانين ردعية صارمة والضرب بيد من حديد ضد كل من يمارس مثل هذه النشاطات اللامشروعة. وأكد الخبير الاقتصادي، إسحاق خرشي، أن ارتفاع الأسعار ليس حكرا على الجزائر، وأن المخاوف من تعقد الوضعية الاقتصادية خلال العام الجديد، أصبح هاجس كل دول العالم، خاصة إذا استمرت الظروف الوبائية في ظل المتحورات الظاهرة كل حين والقت بظلالها على الاقتصاد العالمي. وهو ما جعله يؤكد، أن المخاوف باقية وعامة، في ظل الأزمة الصحية العالمية، التي إذا تعقدت فإن الدول ستتجه أكثر إلى إجراءات الغلق وتقييد حركة تنقل الأشخاص ونقل البضائع، ومنه نقص المعروض في المواد الأولية التي تدخل في التصنيع والإنتاج، وتقليص عدد العمال، ما سينعكس بطريقة مباشرة على المعروض السلعي وبالتالي ارتفاع الأسعار. وطمأن سواهلية، بأن القدرة الشرائية، سوف لن تتأثر هذا العام بالنظر إلى تحسين الأجور، وتطبيق العدالة الضريبية وكذا تطبيق القوانين الردعية لمحاربة كل أشكال الاحتكار والمضاربة، خاصة إذا تم فتح مجالات الاستثمار وخلق تنافسية في الإنتاج وتوفير السلع، مؤكدا أن المخاوف التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي، تنم عن تحليل تشاؤمي بعيد عما ستأتي به الإجراءات التحفيزية. هذه ضمانات تجسيد استراتيجية "السنة الاقتصادية" وبشأن جعل سنة 2022 "سنة اقتصادية" التي تعهد بها رئيس الجمهورية، تباينت آراء الخبراء بشأن تجسيدها في الميدان، بين مؤكد على صعوبة المهمة، وأخرى مطَمْئنة بالاعتماد على معطيات موضوعية، مؤكدين على أن الرهان معقود على ضرورة إيجاد الكفاءات المتخصصة القادرة على تجسيد الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي تعد مطلبا أساسيا، بعيدا عن كل تسيير إداري وسلوكيات بيروقراطية مثبطة للعزائم. وقال الدكتور عبد الرحمن عية، إنه من غير المنطقي أن نكلف إداريا بتسيير الشأن الاقتصادي، وخاصة في ظل الظروف الوبائية وبورصة البترول والمعاملات والاقتصادية الدولية المتغيرة. ويؤكد عية، على ضرورة أن تصاحب استراتيجية "السنة الاقتصادية" التي أرادها رئيس الجمهورية أن تركز بشكل أساسي على الإصلاحات المالية واستحداث ديناميكية تنافسية في المجال المصرفي، برفع عدد البنوك، ومنح المواطن خيارات في التعاملات البنكية، لإيداع أمواله بهدف تقليص كتلة الأموال المتداولة خارج دائرة التعاملات البنكية الرسمية، ومرافقة كل ذلك بإصلاحات ضريبية وتنشيط البورصة وسوق الصرف، إلى جانب الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة كونها الطريقة المثلى لتشجيع الإنتاج والتقليل من الاستيراد. وذكر المحلل الاقتصادي إسحاق خرشي، أن 2022 ستكون "سنة تخطيط اقتصادي" وبالتالي فإنه لن يكون هناك متسع من الوقت لتحقيق إقلاع اقتصادي، الذي يعني، أننا وضعنا خطة عمل وبدأنا نجني ثمارها ولنا رؤية في كيفية مواصلة التنفيذ. مشيرا إلى أن السنة الجارية ستكون سنة ندوات الإنعاش في قطاعات الفلاحة والمناجم والسياحة، كونها القطاعات الثلاثة التي تركز عليها الحكومة خلال السداسي الأول لتحريك عجلة النمو الاقتصادي. وقال إن الدولة أصبحت أمام رهانات تفرض وضع مواعيد لتقييم القطاعات الثلاثة، وحساب نسبة نمو كل قطاع، بقناعة أنه في غياب التقييم الدوري فإنه لا يمكن تحقيق أي تقدم، وتبقى مسألة الإقلاع الاقتصادي مجرد مخططات على الورق لا غير. وذهب خرشي إلى القول بأن تجسيد فكرة "السنة الاقتصادية" ستواجه بعد التحديات البيروقراطية، بقناعة أن كل تغيير تقابله مقاومة التغيير، والمهم هو المحاولة، شريطة وضع آليات واقعية، معطيا مثالا على ذلك، بمخطط دعم التنمية المحلية وخلق الثروة، الذي يشرف عليه الوالي، هذا الأخير الذي يملك فكر تسيير إداري محض، وليس له فكر اقتصادي، مما يصعب عليه خلق الثروة، ومنه تظهر الحاجة كما أضاف إلى وضع نظام مكافآت للولاة الذين يجسدون أكبر عدد من المشاريع الاستثمارية، والأمر نفسه بالنسبة للسفراء المعتمدين في الخارج، الذي يأتون بعقود شراكة ويساعدون المصدرين الجزائريين في نشاطاتهم الاقتصادية. وإلى نقيض ذلك أكد الدكتور أحمد سواهلية، أن سنة 2022 ستكون بحق سنة اقتصادية بامتياز، بالنظر إلى عدة نقاط أساسية وتساعد على تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمار، ومنها التشريعي، وخاصة إلغاء القاعدة 51/49 وإلغاء حق الشفعة وإلغاء الشريك المحلي من الشراكة الأجنبية، إلى جانب استكمال البناء المؤسساتي. وأضاف أن تجسيد استراتيجية "السنة الاقتصادية" يتوقف على الكفاءات البشرية التي ترافق رئيس الجمهورية في تحقيق التزاماته وتعهداته أمام الشعب، وهو ما جعل الرئيس، عبد المجيد تبون يقوم، في كل مرة، بتعيينات استعجالية على مستوى المؤسسات والقطاعات الوزارية، كون بعض الكفاءات لم تستوعب تلك التعهدات والالتزامات، أو أنها لم تحسن استعمال الأدوات والوسائل الناجعة في تحقيق ما هو مطلوب منها. كما نبّه الدكتور سواهلية، إلى أن الأمر يتوقف على مدى قوة أعضاء الحكومة في تنفيذ برنامج الرئيس ومسؤوليتهم في إبعاد المنطق الإداري في تسيير الاستثمارات، فضلا عن أهمية الإصلاحات المصرفية والجمركية التي من شأنها تسهيل نشاط رجال المال والأعمال ومرافقتهم لتطوير الاقتصاد الوطني.