أكد خبراء في الاقتصاد وجود عدة مؤشرات واقعية تؤكّد قدرة الجزائر على تعزيز دورها الطاقوي على المستوى الإقليمي بداية من السنة الجارية، مشيرين إلى أهمية الاستثمارات التي خصّصت للاستكشاف والإنتاج، فضلا عن المشاريع المنتظرة في مجالات نقل المحروقات والطاقات المتجددة، التي من شأنها ترسيخ مكانة الجزائر كضامن للأمن الطاقوي داخليا وخارجيا. أوضح الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني أن آفاق قطاع الطاقة الواعدة في 2023، تبرز في وجود "رؤية استشرافية" مبنية على "المزيج الطاقوي" وتنويع الإنتاج بين الطاقات الاحفورية والطاقات المتجدّدة بمختلف أنواعها ولاسيما الهيدروجين الأخضر، معتبرا أن هذا التنويع سيمكّن من تثمين الموارد الطاقوية والحفاظ عليها. وتحدث الخبير ل«المساء" ضمن هذا السياق، عن "الاستثمارات الكبيرة" التي ستضخها سوناطراك خلال الخماسي المقبل، والتي تصل قيمتها إلى قرابة 40 مليار دولار، ستخصّص 30 مليار دولار منها لمجالات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج، بالتعاون مع من وصفهم ب«الشركاء الحقيقيين" الذين يمثلون شركات طاقة عالمية، استكمالا للنهج الذي باشرته سوناطراك العام الماضي، بتوقيع عقود شراكة للاستكشاف مع شركات بترولية هامة من ايطاليا وأمريكا وفرنسا بقيمة 4 ملايير دولار. وذكر في هذا الخصوص بتصنيف الجزائر ضمن أعلى المراتب عالميا من حيث الاستكشافات النفطية والغازية، بفضل تحقيقها ل35 اكتشاف جديد بين 2020 و2022 تم عدد هام منها في بؤر جديدة تقع في الجنوب الغربي وأقصى الجنوب الشرقي، إضافة إلى تعزيز أحواض حاسي مسعود وحاسي بركين وحاسي الرمل، بما مكن من اكتشاف "قرابة 360 مليار متر مكعب من الغاز ونحو 1.2 مليار برميل جديد من النفط". لنقل هذه الكميات الإضافية إلى زبائن الجزائر، فإن الحاجة إلى تعزيز شبكة الأنابيب تعد ضمن الإستراتيجية المسطرة، حيث شدّد محدثنا على أهمية بعث مشروع نقل الغاز عنابة – سردينيا المسمى "غالسي"، والذي بإمكانه ضخ نحو 11 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا إلى إيطاليا وأوروبا. دون إغفاله لحيوية مشروع نقل الغاز العابر للصحراء والرابط بين نيجيريا وأوروبا عبر الجزائر بقدرة تصل إلى 30 مليار متر مكعب سنويا. وتتعدى عوامل تكريس الجزائر كفاعل طاقوي قوي في المنطقة، مجال المحروقات إلى مجالات أخرى لاسيما الطاقات المتجددة والصناعات البتروكيماوية والتكريرية. فبرأي الخبير سليماني، يعد تخصيص قرابة 10 ملايير دولار لتطوير هذه الصناعات من طرف سوناطراك، علامة دالة على الذهاب نحو تطوير القدرات الجزائرية في هذه المجالات التي لا تقل أهمية عن المحروقات سواء في استهلاكها الداخلي الذي يوفر على البلاد مبالغ من العملة الأجنبية، أو في فرص تصديرها الواعدة نحو الخارج. من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، أن قدرة الجزائر على التموقع الإقليمي الطاقوي ومواجهة التحديات الجديدة في مجال الطاقة، تقوم على وضع "إستراتيجية تكيف" مرتبطة بثمانية محاور. وأوضح الخبير أن الأمر يتعلق في المقام الأول ب«تحسين كفاءة الطاقة" والتي تتطلب خصوصا "مراجعة أساليب البناء بتبني التقنيات الحديثة التي توفر 40 إلى 50% من الاستهلاك الطاقوي"، ويخص المحور الثاني "الاستثمار في الاستكشاف" سواء في الجزائر أو في أنحاء أخرى من العالم، مشيرا إلى امتلاك سوناطراك لخبرة دولية تمكنها من رفع هذا التحدي، شريطة إزالة البيروقراطية لجذب الاستثمار الأجنبي في إطار شراكة رابحة بتكاليف تنافسية. ويرتبط المحور الثالث بتطوير الطاقات المتجددة بالاعتماد على القدرات الهامة للجزائر في هذا المجال وانخفاض تكلفة الإنتاج العالمي لهذا النوع من الطاقات بأكثر من 50%. وفي نفس المنظور، تحدث مبتول في المحور الرابع عن إمكانية تطوير الطاقة النووية الموجهة لتوليد الكهرباء، بالاعتماد على الاحتياطي المؤكد للجزائر من اليورانيوم الذي يقارب 29 ألف طن، و«هو ما يكفي لتشغيل محطتين نوويتين بطاقة 1000 ميغاواط لكل منهما لمدة 60 عاما". عند طرحه للمحور الخامس، تطرق الخبير لموضوع المحروقات غير التقليدية، لكنه أبدى تحفظا بشأن الاستغلال الفوري لها، مشيرا إلى الحاجة لتوافق اجتماعي وكذا لدراسات حول جدوى تخصيص كميات كبيرة من المياه لاستغلال هذه المحروقات، في وقت لا يتعدى عمر البئر الخمس سنوات كأقصى تقدير. ويتعلق المحوران السادس والسابع، حسب الخبير، ببعث مشروع غالسي وإنشاء خط أنابيب الغاز بين نيجيريا وأوروبا مرورا بالنيجر والجزائر، فيما يخص المحور الثامن تطوير الهيدروجين الأخضر، حيث اعتبر أن الجزائر تتميز بمزايا نسبية بهذا المجال.