رفع سكان عاصمة البتروكيمياء سكيكدة، إشكالية الغياب التام لأماكن الترفيه والتسلية، يلجأون إليها هربا من ضغوط الحياة والضجيج الصاخب، الذي لا يكاد ينقطع داخل الأحياء السكنية، مشيرين إلى افتقار المنطقة لحدائق عمومية واسعة ونظيفة، بها مختلف المرافق الخدماتية، بولاية يذكر أنها من أغنى ولايات الوطن، ناهيك عن امتلاكها لمؤهلات وإمكانيات تجعلها منطقة جذب سياحي على مدار سنة كاملة، يجد فيها مواطنوها، وحتى الزوار، الراحة والسكينة والهدوء، لكن بين ما يجب أن تكون عليه "روسيكادا" التاريخ، وما هي عليه اليوم شيء آخر. فما تزال سكيكدة، حقيقة ومجازا، تفتقر إلى سياحة ترفيهية محلية ترضي العائلات، خصوصا للذين لا تسمح لهم الظروف، بالسفر إلى خارج الوطن، وحتى إلى خارج الولاية، نحو المدن التي تنتشر فيها أماكن الترفيه والتسلية بالمواصفات العالمية، على غرار ما هو موجود بسطيف، العاصمة مستغانم، عنابة، باتنة وغيرها، باعتبارها تتوفر على مرافق مختلفة، كالإطعام ودورات المياه النظيفة ومساحات خضراء للراحة، إلى جانب فضاءات للتسوق وأخرى لمختلف الألعاب الكهربائية، سواء للكبار أو الصغار، كألعاب التسلق والمراجيح وألعاب القفز وألعاب الصعود والهبوط، وكذا لعبة الكراسي الطائرة والسيارات المتصادمة، إلى جانب عجلة "فيريس"، ولعبة سفينة القراصنة والأخطبوط وغيرها من الألعاب. جريمة مع سبق الإصرار والترصد أمام هذا الوضع، تجري الرياح بما لا يشتهيه المواطن البسيط المغلوب على أمره، فحتى المناطق الغابية المتواجدة بسكيكدة، اكتسحها الإسمنت المسلح، بعد أن تحول بعضها إلى أحياء راقية، وبعضها ما زال عبارة عن ورشات للبناء، أثرت سلبا على ما تبقى من تلك الأوعية الغابية، كما هو الحال بغابة "ابن قانة" التي يعتبرها السكيكديون بمثابة رئة المدينة، خاصة أمام تفاقم ظاهرة تلوث الجو المنبعث من المنطقة البتروكيماوية، التي زادت الوضع البيئي تدهورا، حيث تعرضت حديقة التسلية التي كانت متواجدة بها، خلال العشرين سنة الأخيرة، بتواطؤ مع بعض الأطراف، لانتهاكات صارخة، مكنت بعض المقاولين "المحظوظين" من الاعتداء عليها في وضح النهار، وتحت غطاء الاستثمار في مناطق هي في الأصل محمية بقوة القانون، إذ حُولت مساحات خضراء محمية طبيعيا إلى ورشات بناء، أُنجزت فوقها سكنات وعمارات ليست في متناول العامة، مما أدى وبشكل كبير، إلى تقلص مساحاتها التي حل فيها الإسمنت المسلح محل الأشجار. "خردة" الألعاب تستقطب الأطفال المؤلم في كل هذا، أن بعضا من التجار، كما وقفت عليه "المساء"، ببعض مناطق سكيكدة، إن صح تسميتهم بالتجار، يقومون بعرض بعض الألعاب بتجهيزات قديمة عبارة عن "خردة" لا تستجيب إلى المواصفات المعروفة، فهي متسخة حينا وحينا آخر أكلها الصدأ، بالخصوص على مستوى بعض البلديات الداخلية، وكذا بمدينة سكيكدة، كما هو الحال على مستوى حي مرج الذيب، حيث أضحت هذه الألعاب تشكل خطرا حقيقيا على مرتديها من الأطفال، الذين يتوافدون عليها بأعداد كبيرة، أمام غياب فضاءات متخصصة لذلك، والمحزن في الأمر، أن المشرفين عليها لا يملكون مؤهلات تسمح لهم بممارسة هذا النوع من الأنشطة المقننة، أمام غياب المراقبة الصارمة للمصالح المختصة، لتبقى الأسعار المقدمة أمام نوعية الخدمات دون المستوى المطلوب. سكان "روسيكادا" يتأسفون للوضع القائم تأسف السيد مراد من حي الممرات "20 أوت 55"، وهو أب لثلاثة أطفال، خلال حديثنا معه، عن افتقار سكيكدة لأماكن التسلية التي تقدم خدمات نوعية ترفيهية، سواء للأطفال أو الكبار، وبأسعار في متناول الجميع، مضيفا أن المدينة لا تنتشر بها سوى المقاهي ومطاعم "الفاست فود"، والمحلات التجارية التي تبيع مختلف أنواع "الشيفون"، والتي أضحت تتكاثر بشكل سريع، مضيفا أنه حتى الملاعب الجوارية أصبحت مع الوقت، تشكل مصدر إزعاج، بسبب الفوضى اليومية التي تشهدها جراء المقابلات الرياضية التي تستمر إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، والمؤلم في ذلك كما قال أن أطفال الحي لا يستفيدون منها على الإطلاق. من جهته، رأى السيد محمد يبلغ من العمر 45 سنة، موظف وقاطن على مستوى حي الإخوة بوحجة، أن سكيكدة مغبونة، كونها لا تملك فضاءات للتسلية والترفيه تلبي كل الأذواق، بما فيها فضاءات تجارية كبرى، متسائلا عن سر عدم وجود ذلك بسكيكدة، أما السيد مراد البالغ من العمر 22 سنة، وهو طالب جامعي، فتساءل بدوره عن سر افتقار سكيكدة لمثل تلك الفضاءات، رغم أنها تملك من المقومات الطبيعية ما يجعلها ولاية نموذجية، فيما يخص امتلاكها لمختلف المرافق الترفيهية بأتم معنى الكلمة. ويرى جمال، متقاعد يقطن بوسط المدينة، أن سكان سكيكدة مغبونون بحق، لانعدام فضاءات التسلية والترفيه، وحتى تلك المتواجدة، أو كما تسمى حظيرة الألعاب المائية المتواجدة بالعربي بن مهيدي، فهي ليست في متناول المواطن البسيط، أما فضاء "المارينا" بسطورة، فهو لا يلبي الغرض، كونه يفتقر للعديد من خدمات الترفيه والراحة الحقيقية. كما أن مركز ركوب الخيل بحمروش حمودي، يبقى هو الآخر بعيدا كل البعد، بأن يكون فضاء للتسلية بسبب ضيق المكان، وحتى الحدائق العمومية الحقيقية غير موجودة بسكيكدة، والموجود منها، والتي يعود بعضها للعهد الاستعماري، يبقى بحاجة إلى إعادة الاعتبار والتهيئة الحقيقية، بعيدا عن أشغال "البريكولاج"، حتى يجد المواطن، بما فيهم المتقاعدون، الراحة والهدوء فيها. من ناحية أخرى، تأسفت السيدة بوترعة سهام، من مدينة عزابة، عن افتقار سكيكدة، ومنها عزابة، لفضاءات التسلية والترفيه، تليق بمقام المدينة، بعد أن اكتسح الإسمنت المسلح كل الأماكن، وقالت جقريف غنية من سكيكدة أيضا: إن "الحلول موجودة من خلال منح التراخيص للمستثمرين الجادين، لأجل إنجاز حديقة ترفيه وتسلية، مع ضرورة الابتعاد عن سياسة "البريكولاج"، بانتهاج دراسة دقيقة مسبقة لمثل تلك المشاريع التي تفتقر لها عاصمة روسيكادا". لا وجود لحديقة حيوانات أو التسلية والترفيه ماعدا البحر الذي تزخر به سكيكدة، والذي يعد المتنفس الوحيد لسكانها، فإن الولاية، تفتقر أيضا لحديقة حيوانات، على الرغم من طابعها الغابي المتميز، فالعديد ممن تحدثت معهم "المساء"، أكدوا ارتباطهم الوثيق بالطبيعة، متأسفين لافتقار المنطقة إلى مثل تلك الحدائق، على غرار حديقة الحيوانات "كسير" بجيجل، والتي أضحى تواجدها في سكيكدة أكثر من ضرورة، بعد أن اكتسح الإسمنت المسلح كل شيء، خصوصا أنه سبق أن طالبت جمعيات ومنظمات من الجهات المختصة، بإنشاء حديقة للحيوانات، على غرار باقي الولايات الساحلية، إلا أن ذلك لم يجد آذانا صاغية. للإشارة، تتمتع ولاية سكيكدة، بثروات غابية تقدر ب 198 409 هكتار، منها 127930 هكتار غابات بها أنواع مختلفة من الأشجار، و70479 هكتار من الأحراش الغابية، والغطاء الغابي الأكثر أهمية يقع بالمصيف القلي، حيث يمثل 52 بالمائة من الغطاء الغابي، وبنسبة أقل في منطقة عزابة، حيث تقدر ب 27 بالمائة من المساحة الغابية الإجمالية، يمكن استغلالها لتكون فضاءات للترفيه والسياحة الجبلية. محاولات لتدارك النقص حاولت السلطات المحلية بسكيكدة منذ فترة، إيلاء أهمية بالغة لمثل تلك الفضاءات، من خلال برمجة مشاريع لإنجاز مركبات ترفيهية سياحية، وسط محيط غابي يساهم في إنعاش السياحة بمفهومها الواسع، باستغلال كل الإمكانيات المتاحة، منها مشروع التسيير المدمج لمركب المناطق الرطبة قرباز- صنهاجة، حيث وقعت منذ أكثر من سنتين، اتفاقية بين وزارة الشؤون الخارجية، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، والمديرية العامة للغابات، بهدف الحفاظ على المناطق الربطة والتنوع البيئي والتنمية المستدامة، من خلال تعزيز مساحة إجمالية من الكثبان الرملية، تقدر ب75 هكتارا، بغرض حماية المنطقة من الفيضانات والانجرافات، وكذا الحفاظ على نوعية المياه، إلى جانب إنجاز فضاءات للسياحة والنشاط الفلاحي لفائدة القاطنين بالقرب من هذه المناطق. للإشارة، تقع المنطقة الرطبة "صنهاجة قرباز" بين بلديتي ابن عزوز وجندل محمد سعدي، حيث تتربع على مساحة تقدر ب42100 هكتار، وتضم 9 بحيرات تتوزع على مساحة تقدر ب 2580 هكتار، إضافة إلى عدد من المستنقعات الطبيعية الممتدة على طول المحمية التي يتوافد عليها سنويا ما يقارب 230 صنف من الطيور، منها 140 صنف لا يعيش إلا في المناطق الرطبة. يرى بعض المواطنين الذين تحدثت معهم "المساء"، أنه بالإمكان تحويل هذه المنطقة الجميلة إلى حظيرة سياحية طبيعية، تضم مختلف الخدمات، إلى جانب حديقة حيوانية، وكذا فضاءات للترفيه والتسلية والألعاب، تكون منطقة جذب للسياح، مما يساهم في إنعاش السياحة بالمنطقة، كما تسعى مصالح ولاية سكيكدة، إلى تهيئة فضاء للراحة والرياضة التي تتربع على 12 هكتارا، وتتوفر على كافة المعايير بطابع إيكولوجي، ومساحات خضراء ومضمار لرياضة الدراجات الهوائية، تقع في مرتفعات سكيكدة بالضبط في منطقة بوعباز، ومن المفروض أن تكون جاهزة خلال صائفة 2024. يضاف إلى ذلك، تهيئة وإعادة الاعتبار للغابة الحضرية لبلدية سكيكدة، المتواجدة بمحاذاة المعلم الأثري قصر مريم عزة "ابن قانة"، لاسترجاعها كفضاء للراحة والاستجمام، ولتكون متنفسا لسكان البلدية وزوارها، وكذا مباشرة الإجراءات اللازمة من أجل تأهيل حظيرة بلدية فلفة، والانطلاق في أشغال التهيئة، مع الحرص على توفير كافة المرافق الخدماتية وشروط النظافة، والأمن والسلامة لقاصديها من المواطنين، ناهيك عن السعي قصد إعادة تأهيل غابة الاستجمام جبل "الوسط" ببلدية عزابة، المتربعة على مساحة 20 هكتارا، والتي من المزمع تدعيمها بأنشطة ترفيهية موجهة للأطفال بألعاب كهربائية ومائية، مع تعيين أعوان مؤهلين ومكونين في مجال الإسعافات الأولية والسباحة، بهدف ضمان توفر شروط الأمن. في انتظار أن تدخل تلك المشاريع وعلى قلتها، حيز الخدمة، وأن لا تكون مجرد مشاريع فقط، تبقى سكيكدة تعاني كل المعاناة من انعدام حظائر حقيقية للراحة والألعاب والتسلية، حسب المعايير المعروفة. لكن هل هذا يكفي؟ سؤال طرحناه على عدد من مواطني سكيكدة، الذين أجمعوا، على أن هذا لا يكفي، مطالبين بالملموس، مع تشجيع الاستثمار الخاص من خلال إنجاز حظائر للألعاب والتسلية، كما هو الحال بمدينة سطيف، باتنة، وهران، وتيبازة، وكذا إنجاز حظيرة الحيوانات، مثلما هو موجود بجيجل ومستغانم، كما أجمعوا على أن سكيكدة تحوز على كل الإمكانيات التي تمكنها من تجسيد ذلك هذا الحلم المشروع.