تقترح الرسامة صوفيا مراحي معرضها "حياة كلها بالألوان" ، على جمهور المركز الجامعي للعلوم الإنسانية بالعاصمة، الممتدة فعالياته حتى الخامس من ديسمبر الجاري؛ حيث تتفتّق الألوان طاغية على الأشكال، بإيحاءات أنثوية، مقبلة على الحياة والتفاؤل. عُرضت في جانب من المعرض لوحات دائرية، تبدو كقطع ديكور، وهي أقراص معدنية بيضاء وعليها يمتد اللونان الوردي والبنفسجي الأنثويان بكلّ تدرجاتهما، لا تحكمهما مسارات ولا أطر، يمتدان في حركات انسيابية، لتبدو كالحرير الناعم، الموحي بالرقة، والأنوثة، والجمال. في الجهة المقابلة، هناك أقراص أخرى بيضاء يتملكها السواد الساحر الذي يشبه فساتين السهرات الراقية، يوحي بصخب الحياة، والانطلاق، والمتعة، ولا علاقة له البتة باليأس أو الحزن، بل فيه أيضا، يتفتق الأسود، ليعطي ورودا غاية في الإبداع، أغلبها يتوسّط اللوحة، لتبدو كقطعة "بروش" فوق ثوب ساحر. وتزحف الألوان إلى مناطق أخرى، لتصل إلى لوحات الصحراء؛ حيث الإبداع المطلق، وتكاد تبدو بعضها مثل الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية، لكن بلمسة فنية؛ من ذلك لوحة الصحراء ذات الخلفية السوداء، وفيها يزحف الرمل المذهَّب كالثعبان، وداخله يبدو خيط رفيع يشبه أثر واد غائر. وهناك، أيضا، لوحات تسودها العتمة، وتتجلى فيها بعض الألوان؛ منها الأزرق، فيما تبدو أخرى مثل المجرات. الغالب في المعرض هو الأسلوب التجريدي، المعتمد كثيرا على الألوان أكثر من الخطوط والأشكال؛ إذ تم التركيز أكثر على مساحات لونية واسعة ومكثّفة، تخلّلتها أطياف الظلّ أو الفراغ؛ ما منع الحشو، وسمح بنوع من التهوية للوحة، مع قدر من التناغم المحتشم. وفي لوحاتٍ أطلّت اللوحة مبرزة ريشتها الخفيفة التي تداعبها وتمنحها الحق في الألوان والأشكال. واستعملت الفنانة في لوحات أخرى تقنية سكب الألوان؛ كانعكاس للحالة المزاجية من جهة، ولجذب المشاهد من جهة أخرى، وإدخاله عالم الخيال المبهر والمريح الذي لا علاقة له بضوضاء العيش. وتترسّخ أكثر لعبة الألوان الممتعة والمسلية، لتتداخل وتتمازج الحارّة منها والباردة بشكل حميمي. وفي لوحة تداخلَ الأحمر والبرتقالي؛ وكأنّه حوار عنيف بين لونين صاخبين، بينما تكتفي لوحات أخرى بحالة الأنثى وما فيها من حسّ وديع وهادئ. كما تحاول الفنانة إبراز وجود الأنثى ولو حسيا، لتبدو بعض لوحاتها وكأنّها من أثر امرأة؛ كرائحة عطر، أو خطوة ناعمة، بقي صداها معلّقا. للإشارة، صونيا مراحي فنانة عصامية، ذات مشوار متعدّد التخصّصات والاهتمامات؛ فهي متابعة للظواهر الفلكية والجيولوجية، وللطبيعة عموما؛ ما يزوّد عندها رصيد الألوان والأسرار التي تختفي في لوحاتها. وعطشُها للفن، كما كتبت في معرضها، يجعلها، دوما، تبحث أكثر لتكتشف أكثر، وبالتالي يتطوّر فنها. الفنانة صونيا مقبلة على مناقشة رسالتها في الدكتوراه في تخصّص البيولوجيا، علما أنّها تعمل في المجال الصيدلاني. كما دخلت العمل التطوعي بتميّز من خلال الهلال الأحمر الجزائري. وبادرت بتعليم الصغار مبادئ الإسعافات الأولية، معتبرة أنّ عالم الآخر مكّنها من أن ترعى في ذاتها بالإحساس، وبالتعاطف والإيثار، وأن تفعّل ملَكة الأمل نحو الإنسان.